وحمله أبو حنيفة على النوع الأول أي ثواب الأعمال لا يكون إلا بالنية وذلك لوجهين الأول أن الثواب ثابت اتفاقا إذ لا ثواب بدون النية فلو أريد الصحة أيضا يلزم عموم المشترك أو المجاز الثاني أنه لو حمل على الثواب لكان باقيا على عمومه إذ لا ثواب بدون النية أصلا بخلاف الصحة فإنها قد تكون بدون النية كالبيع والنكاح وفرعت الشافعية على أصلهم مسائل منها أن بعضهم أوجب النية في غسل النجاسة لأنه عمل واجب قال الرافعي ويحكى عن ابن سريج وبه قال أبو سهل الصعلوكي فيما حكاه صاحب التتمة وحكى ابن الصلاح وجها ثالثا أنها تجب لإزالة النجاسة التي على البدن دون الثوب وقد رد ذلك بحكاية الإجماع فقد حكى الماوردي في الحاوي والبغوي في التهذيب أن النية لا تشترط في إزالة النجاسة قال الروياني لا يصح النقل في البحر عندي عنهما أي عن ابن سريج والصعلوكي وإنما لم يشترطوا النية في إزالة النجاسة لأنها من باب التروك فصار كترك المعاصي وقال بعض الأفاضل وقد يعترض على هذا التعليل لأن الصوم من باب التروك أيضا وهذا لا يبطل بالعزم على قطعه وقد أجمعوا على وجوب النية فيه قلت التروك إذا كان المقصود فيها امتثال أمر الشارع وتحصيل الثواب فلا بد من النية فيها وإن كانت لإسقاط العذاب فلا يحتاج إليها فالتارك للمعاصي محتاج فيها لتحصيل الثواب إلى النية قوله وقد أجمعوا على وجوب النية فيه نظر لأن عطاء ومجاهدا لا يريان وجوب النية فيه إذا كان في رمضان ومنها اشتراط النية في الخطبة فيه وجهان للشافعية كهما في الأذان قاله الروياني في البحر وفي الرافعي في الجمعة أن القاضي حسين حكى اشتراط نية الخطبة وفرضيتها كما في الصلاة ومنها أنه إذا نذر اعتكاف مدة متتابعة لزمه وأصح الوجهين عندهم أنه لا يجب التتابع بلا شرط فعلي هذا لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان أصحهما لا كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه كذا نقله الرافعي عن صحيح البغوي وغيره قال الروياني وهو ظاهر نقل المزني قال والصحيح عندي اللزوم لأن النية إذا اقترنت باللفظ عملت كما لو قال أنت طالق ونوى ثلاثا ومنها إذا أخذ الخوارج الزكاة اعتد بها على الأصح ثالثها إن أخذت قهرا فنعم وإلا فلا وبه قال مالك وقال ابن بطال ومما يجزىء بغير نية ما قاله مالك أن الخوارج إن أخذوا الزكاة من الناس بالقهر والغلبة أجزأت عمن أخذت منه لأن أبا بكر وجماعة من الصحابة Bهم أخذوا الزكاة من أهل الردة بالقهر والغلبة ولو لم يجزىء عنهم ما أخذت منهم وقال ابن بطال واحتج من خالفهم وجعل حديث النية على العموم أن أخذ الخوارج الزكاة غلبة لا ينفك المأخوذ منه أنه عن الزكاة وقد أجمع العلماء أن أخذ الإمام الظالم لها يجزئه فالخارجي في معنى الظالم لأنهم من أهل القبلة وشهادة التوحيد وأما أبو بكر Bه فلم يقتصر على أخذ الزكاة من أهل الردة بل قصد حربهم وغنيمة أموالهم وسبيهم لكفرهم ولو قصد أخذ الزكاة فقط لرد عليهم ما فضل عنها من أموالهم ومنها قال الشافعي في البويطي كما نقله الروياني عن القاضي أبي الطيب عنه قد قيل أن من صرح بالطلاق والظهار والعتق ولم يكن له نية في ذلك لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى طلاق ولا ظهار ولا عتق ويلزمه في الحكم ومنها أن لو قال لامرأته أنت طالق يظنها أجنبية طلقت زوجته لمصادفة محله وفي عكسه تردد لبعض العلماء مأخذه إلى النية وإلى فوات المحل فلو قال لرقيق أنت حر يظنه أجنبيا عتق وفي عكسه التردد المذكور ومنها لو وطىء امرأة يظنها أجنبية فإذا هي مباحة له أثم ولو اعتقدها زوجته أو أمته فلا إثم وكذا لو شرب مباحا يعتقده حراما أثم وبالعكس لا يأثم ومثله ما إذا قتل من يعتقده معصوما فبان له أنه مستحق دمه أو أتلف ما لا يظنه لغيره فبان ملكه ومنها اشتراط النية لسجود التلاوة لأنه عبادة وهو قول الجمهور خلافا لبعضهم ومنها استدلوا به على وجوب النية على الغاسل في غسل الميت لأنه عبادة وغسل واجب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويدل عليه نص الشافعي على وجوب غسل الغريق وأنه لا يكفي إصابة الماء له ولكن أصح الوجهين كما قاله الرافعي في المحرر أنه لا تجب النية على الغاسل ومنها أنه لا يجب على الزوج النية إذا غسل زوجته المجنونة من حيض أو نفاس أو الذمية إذا امتنعت فغسلها الزوج وهو أصح الوجهين كما صححه النووي في التحقيق في مسألة المجنونة وأما الذمية المتمنعة فقال في شرح المهذب الظاهر أنه على الوجهين في المجنونة بل قد جزم ابن الرفعة في الكفاية في غسل الذمية لزوجها المسلم أن المسلم هو الذي ينوي ولكن الذي صححه النووي في التحقيق