رمضان وتعينه شرعا لا يغني عن نية المكلف لأداء ما كلف به وذهب مالك والشافعي وأحمد أنه لا بد من تعيين رمضان لظاهر الحديث قلت هذا نوى عبادة الصوم فحصل له ذلك والفرض فيه متعين فيصاب بأصل النية كالمتوحد في الدار يصاب باسم جنسه وقولهم لا بد من تعيين رمضان لظاهر الحديث غير صحيح لأن ظاهر حديث الأعمال بالنيات لا يدل على تعيين رمضان وإنما يدل على وجوب مطلق النية في العبادات وقد وجد مطلق النية كما قلنا السادس احتجت به بعض الشافعية على أبي حنيفة في ذهابه إلى أن الكافر إذا أجنب أو أحدث فاغتسل أو توضأ ثم أسلم أنه لا تجب إعادة الغسل والوضوء عليه وقالوا هو وجه لبعض أصحاب الشافعي وخالف الجمهور في ذلك فقالوا تجب إعادة الغسل والوضوء عليه لأن الكافر ليس من أهل العبادة وبعضهم يعلله بأنه ليس من أهل النية قلت هذا مبني على اشتراط النية في الوضوء عندهم وعدم اشتراطها عنده ولما ثبت ذلك عنده بالبراهين لم يبق للاحتجاج بالحديث المذكور عليه وجه السابع احتجوا به على الأوزاعي في ذهابه إلى أن المتيمم لا تجب له النية أيضا كالمتوضأ قلت له أن يقول التيمم عبارة عن القصد وهو النية وقد رد عليه بعضهم بقوله ورد عليه بالإجماع على أن الجنب لو سقط في الماء غافلا عن كونه جنبا أنه لا ترتفع جنابته قطعا فلولا وجوب النية لما توقف صحة غسله عليها قلت دعوى الإجماع مردودة لأن الحنفية قالوا برفع الجنابة في هذه الصورة الثامن احتج به طائفة من الشافعية في اشتراط النية لسائر أركان الحج من الطواف والسعي والوقوف والحلق وهذا مردود لأن نية الإحرام شاملة لهذه الأركان فلا تحتاج إلى نية أخرى كأركان الصلاة التاسع احتج به الخطابي على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق ونوى عددا من أعداد الطلاق كمن قال لامرأته أنت طالق ونوى ثلاثا كان ما نواه من العدد واحدة أو اثنين أو ثلاثا وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وعند أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد واحدة قلت استدلوا بقوله تعالى ( وبعولتهن أحق بردهن ) أثبت له حق الرد فلا تتحقق الحرمة الغليظة ولا يصح الاحتجاج بالحديث بأنه نوى ما لا يحتمله لفظه فلم يتناوله الحديث فلا تصح نيته كما لو قال زوري أباك العاشر احتجت به بعض الشافعية على الحنفية في قولهم في الكناية في الطلاق كقوله أنت بائن أنه إن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة وإن نوى الطلاق ولم ينو عددا فهي واحدة بائنة أيضا قالوا الحديث حجة عليهم وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إن نوى ثنتين فهي كذلك وإن لم ينو عددا فهي واحدة رجعية قلت هذا الكلام لا يحتمل العدد لأنه يتركب من الأفراد وهذا فرد وبين العدد والفرد منافاة فإذا نوى العدد فقد نوى ما لا يحتمله كلامه فلا يصح فلا يتناوله الحديث فإذا لا يصير حجة عليهم الحادي عشر فيه رد على المرجئة في قولهم الإيمان إقرار باللسان دون الاعتقاد بالقلب الثاني عشر احتج به بعضهم على أنه لا يؤاخذ به الناسي والمخطىء في الطلاق والعتاق ونحوهما لأنه لا نية لهما قلت يؤاخذ المخطىء فيصح طلاقه حتى لو قال اسقني مثلا فجرى على لسانه أنت طالق وقع الطلاق لأن القصد أمر باطن لا يوقف عليه فلا يتعلق الحكم لوجود حقيقته بل يتعلق بالسبب الظاهر الدال وهو أهلية القصد بالعقل والبلوغ فإن قيل ينبغي على هذا أن يقع طلاق النائم قلت المانع هو الحديث أيضا فالنوم ينافي أصل العمل بالعقل لأن النوم مانع عن استعمال نور العقل فكانت أهلية القصد معدومة بيقين فافهم الثالث عشر فيه حجة على بعض المالكية من أنهم لا يدينون من سبق لسانه إلى كلمة الكفر إذا ادعى ذلك وخالفهم الجمهور ويدل لذلك ما رواه مسلم في صحيحه من قصة الرجل الذي ضلت راحلته ثم وجدها فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك قال النبي أخطأ من شدة الفرح الرابع عشر فيه أنه لا تصح العبادة من المجنون لأنه ليس من أهل النية كالصلاة والصوم والحج ونحوها ولا عقوده كالبيع والهبة والنكاح وكذلك لا يصح منه الطلاق والظهار واللعان والإيلاء ولا يجب عليه القود ولا الحدود الخامس عشر فيه حجة لأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق في عدم وجوب القود في شبه العمد لأنه لم ينو قتله إلا أنهم اختلفوا في الدية فجعلها الشافعي ومحمد بن الحسن أثلاثا وجعلها الباقون أرباعا وجعلها أبو ثور أخماسا وأنكر مالك شبه العمد وقال ليس في كتاب الله إلا الخطأ والعمد فأما شبه العمد فلا نعرفه واستدل هؤلاء بما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا إلا أن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط