والنكرة كفر قال وأصحابنا مجمعون على خلافه وانما اختلفوا فيما إذا كان الاعتقاد موافقا لكن عن غير دليل فمنهم من قال ان صاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب ومنهم من اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق وان لم يكن عن دليل وسماه علما وعلى هذا فلا يلزم من حصول المعرفة بهذا الطريق وجوب النظر وقال غيره من منع التقليد وأوجب الاستدلال لم يرد التعمق في طرق المتكلمين بل اكتفى بما لا يخلو عنه من نشأ بين المسلمين من الاستدلال بالمصنوع على الصانع وغايته انه يحصل في الذهن مقدمات ضرورية تتألف تألفا صحيحا وتنتج العلم لكنه لو سئل كيف حصل له ذلك ما اهتدى للتعبير به وقيل الأصل في هذا كله المنع من التقليد في أصول الدين وقد انفصل بعض الأئمة عن ذلك بأن المراد بالتقليد اخذ قول الغير بغير حجة ومن قامت عليه حجة بثبوت النبوة حتى حصل له القطع بها فمهما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم كان مقطوعا عنده بصدقه فإذا اعتقده لم يكن مقلدا لأنه لم يأخذ بقول غيره بغير حجة وهذا مستند السلف قاطبة في الأخذ بما ثبت عندهم من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم فيما يتعلق بهذا الباب فآمنوا بالمحكم من ذلك وفوضوا أمر المتشابه منه إلى ربهم وانما قال من قال ان مذهب الخلف احكم بالنسبة إلى الرد على من لم يثبت النبوة فيحتاج من يريد رجوعه إلى الحق ان يقيم عليه الأدلة إلى ان يذعن فيسلم أو يعاند فيهلك بخلاف المؤمن فإنه لا يحتاج في أصل ايمانه إلى ذلك وليس سبب الأول الا جعل الأصل عدم الإيمان فلزم إيجاب النظر المؤدي إلى المعرفة والا فطريق السلف أسهل من هذا كما تقدم إيضاحه من الرجوع إلى ما دلت عليه النصوص حتى يحتاج إلى ما ذكر من إقامة الحجة على من ليس بمؤمن فاختلط الأمر على من اشترط ذلك والله المستعان واحتج بعض من أوجب الاستدلال باتفاقهم على ذم التقليد وذكروا الآيات والأحاديث الواردة في ذم التقليد وبأن كل أحد قبل الاستدلال لا يدري أي الأمرين هو الهدى وبأن كل ما لا يصح الا بالدليل فهو دعوى لا يعمل بها وبأن العلم اعتقاد الشيء على ما هو عليه من ضرورة أو استدلال وكل ما لم يكن علما فهو جهل ومن لم يكن عالما فهو ضال والجواب عن الأول ان المذموم من التقليد اخذ قول الغير بغير حجة وهذا ليس منه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فان الله أوجب اتباعه في كل ما يقول وليس العمل فيما أمر به أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا واما من دونه ممن اتبعه في قول قاله واعتقد انه لو لم يقله لم يقل هو به فهو المقلد المذموم بخلاف ما لو اعتقد ذلك في خبر الله ورسوله فإنه يكون ممدوحا وأما احتجاجهم بأن أحدا لا يدري قبل الاستدلال أي الأمرين هو الهدى فليس بمسلم بل من الناس من تطمئن نفسه وينشرح صدره للإسلام من أول وهلة ومنهم من يتوقف على الاستدلال فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار لقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا ويجب على كل من استرشده ان يرشده ويبرهن له الحق وعلى هذا مضى السلف الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلّم وبعده واما من استقرت نفسه إلى تصديق الرسول ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقا من الله وتيسيرا فهم الذين قال الله في حقهم ولكن الله حبب اليكم الإيمان وزينه في قلوبكم الآية وقال فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام الآية وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لرؤسائهم لأنهم لو كفر أباؤهم أو رؤساؤهم لم يتابعوهم بل يجدون النفرة عن كل من سمعوا عنه ما يخالف الشريعة واما الآيات والأحاديث فانما وردت في حق الكفار الذين اتبعوا من نهوا عن اتباعه وتركوا اتباع من أمروا باتباعه وانما كلفهم الله الإتيان ببرهان على دعواهم بخلاف المؤمنين فلم يرد قط انه أسقط اتباعهم حتى يأتوا