جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها وشكوك يذهب الإيمان معها وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم ان هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام هل هو متحد أو منقسم وعلى الثاني هل ينقسم بالنوع أو الوصف وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة إلى غير ذلك مما ابتدعوه مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم بل نهوا عن الخوض فيها لعلهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل لكون العقول لها حد تقف عنده ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه كما هو طريق السلف وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا قال وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات وسبب ذلك اعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن امام الحرمين انه قال ركبت البحر الأعظم وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف هذا كلامه أو معناه وعنه انه قال عند موته يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت انه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به إلى ان قال القرطبي ولو لم يكن في الكلام الا مسئلتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم إحداهما قول بعضهم ان أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر واليه أشار الامام بقوله ركبت البحر ثانيتهما قول جماعة منهم ان من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح ايمانه حتى لقد أورد على بعضهم ان هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطا منه فان القائل بالمسئلتين كافر شرعا لجعله الشك في الله واجبا ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة والا فلا يوجد في الشرعيات ضروري وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن اطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء انتهى وقال الآمدي في ابكار الأفكار ذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لا يعرف الله بالدليل فهو كافر لأن ضد المعرفة النكرة