بالبرهان وكل من خالف الله ورسوله فلا برهان له أصلا وانما كلف الإتيان بالبرهان تبكيتا وتعجيزا واما من اتبع الرسول فيما جاء به فقد اتبع الحق الذي أمر به وقامت البراهين على صحته سواء علم هو بتوجيه ذلك البرهان أم لا وقول من قال منهم ان الله ذكر الاستدلال وامر به مسلم لكن هو فعل حسن مندوب لكل من اطاقه وواجب على كل من لم تسكن نفسه إلى التصديق كما تقدم تقريره وبالله التوفيق وقال غيره قول من قال طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ليس بمستقيم لأنه ظن أن طريقة السلف مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه في ذلك وان طريقه الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى في طريقة الخلف وليس الأمر كما ظن بل السلف في غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفي غاية التعظيم له والخضوع لأمره والتسليم لمراده وليس من سلك طريق الخلف واثقا بان الذي يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تاويله واما قولهم في العلم فزادوا في التعريف عن ضرورة أو استدلال وتعريف العلم انتهى عند قوله عليه فان ابوا الا الزيادة فليزدادوا عن تيسير الله له ذلك وخلقه ذلك المعتقد في قلبه والا فالذي زادوه هو محل النزاع فلا دلالة فيه وبالله التوفيق وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال ان السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في احكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم فكذلك علم الكلام ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت اليقين لأهل الحق وقد علم الكل ان الكتاب لم تعلم حقيته والنبي لم يثبت صدقه الا بأدلة العقل وأجاب اما أولا فان الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع وصح عن السلف انهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب واما الفروع فلم يثبت عن أحد منهم النهي عنها الا من ترك النص الصحيح وقدم عليه القياس وأما من اتبع النص وقاس عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك لأن الحوادث في المعاملات لا تنقضي وبالناس حاجة إلى معرفة الحكم فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك بخلاف علم الكلام واما ثانيا فان الدين كمل لقوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم فإذا كان اكمله وأتمه وتلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلّم واعتقده من تلقى عنهم واطمأنت به نفوسهم فاي حاجة بهم إلى تحكيم العقول والرجوع إلى قضاياها وجعلها أصلا والنصوص الصحيحة الصريحة تعرض عليها فتارة يعمل بمضمونها وتارة تحرف عن مواضعها لتوافق العقول وإذا كان الدين قد كمل فلا تكون الزيادة فيه الا نقصانا في المعنى مثل زيادة أصبع في اليد فأنها تنقص قيمة العبد الذي يقع به ذلك وقد توسط بعض المتكلمين فقال لا يكفي التقليد بل لا بد من دليل ينشرح به الصدر وتحصل به الطمأنينة العلمية ولا يشترط ان يكون بطريق الصناعة الكلامية بل يكفي في حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه انتهى والذي تقدم ذكره من تقليد النصوص كاف في هذا القدر وقال بعضهم المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى والايمان برسله وبما جاؤوا به كيفما حصل وبأي طريق إليه يوصل ولو كان عن تقليد محض إذا سلم من التزلزل قال القرطبي هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبلهم من أئمة السلف واحتج بعضهم بما تقدم من القول في أصل الفطرة وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلّم ثم الصحابة انهم حكموا بإسلام من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الأوثان فقبلوا منهم الإقرار بالشهادتين والتزام أحكام