ولكنهم شددوا فشدد عليهم وبهذا تظهر مناسبة قوله فانما هلك من كان قبلكم إلى آخره بقوله ذروني ما تركتكم وقد أخرج البزار وبن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم وفي السند عباد بن منصور وحديثه من قبيل الحسن وأورده الطبري عن بن عباس موقوفا وعن أبي العالية مقطوعا واستدل به على ان لا حكم قبل ورود الشرع وان الأصل في الأشياء عدم الوجوب قوله فانما أهلك بفتحات وقال بعد ذلك سؤالهم بالرفع على انه فاعل أهلك وفي رواية غير الكشميهني أهلك بضم أوله وكسر اللام وقال بعد ذلك بسؤالهم أي بسبب سؤالهم وقوله واختلافهم بالرفع وبالجر على الوجهين ووقع في رواية همام عند احمد بلفظ فانما هلك وفيه بسؤالهم ويتعين الجر في واختلافهم وفي رواية الزهري فانما هلك وفيه سؤالهم ويتعين الرفع في واختلافهم وأما قول النووي في أربعينه واختلافهم برفع الفاء لا بكسرها فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها وهي التي من طريق الزهري قوله فاذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه في رواية محمد بن زياد فانتهوا عنه هكذا رأيت هذا الأمر على تلك المقدمة والمناسبة فيه ظاهرة ووقع في أول رواية الزهري المشار إليها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه فاقتصر عليها النووي في الأربعين وعزا الحديث للبخاري ومسلم فتشاغل بعض شراح الأربعين بمناسبة تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم ان ذلك من تصرف الرواة وان اللفظ الذي أورده البخاري هنا أرجح من حيث الصناعة الحديثية لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد دون طريق الزهري وان كان سند الزهري مما عد في أصح الأسانيد فان سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا وزادت رواية أبي الزناد اتفاق الشيخين وظن القاضي تاج الدين في شرح المختصر ان الشيخين اتفقا على هذا اللفظ فقال بعد قول بن الحاجب الندب أي احتج من قال ان الأمر للندب بقوله إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم فقال الشارح رواه البخاري ومسلم ولفظهما وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وهذا انما هو لفظ مسلم وحده ولكنه اغتر بما ساقه النووي في الأربعين ثم ان هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها والصحيح عدم المؤاخذة إذا وجدت صورة الإكراه المعتبرة واستثنى بعض الشافعية من ذلك الزنا فقال لا يتصور الإكراه عليه وكأنه أراد التمادي فيه والا فلا مانع ان ينعظ الرجل بغير سبب فيكره على الايلاج حينئذ فيولج في الأجنبيه فان مثل ذلك ليس بمحال ولو فعله مختارا لكان زانيا فتصور الإكراه على الزنا واستدل به من قال لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر ولا دفع العطش به ولا اساغة لقمة من غص به والصحيح عند الشافعية جواز الثالث حفظا للنفس فصار كأكل الميتة لمن اضطر بخلاف التداوي فإنه ثبت النهي عنه نصا ففي مسلم عن وائل رفعه انه ليس بدواء ولكنه داء ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه ولا تداووا بحرام وله عن أم سلمة مرفوعا ان الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها ولأنه في معنى التداوي والله اعلم والتحقيق أن الأمر باجتناب المنهي على عمومه ما لم يعارضه اذن في ارتكاب منهي كأكل الميتة للمضطر وقال الفاكهاني لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا بخلاف الأمر يعني المطلق فان من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان ممتثلا انتهى ملخصا وقد أجاب هنا