بن فرج بأن النهي يقتضي الأمر فلا يكون ممتثلا لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي بخلاف الأمر فإنه على عكسه ومن ثم نشأ الخلاف هل الأمر بالشيء نهي عن ضده وبان النهي عن الشيء أمر بضده قوله وإذا أمرتكم بشيء في رواية مسلم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أي افعلوا قدر استطاعتكم ووقع في رواية الزهري وما أمرتكم به وفي رواية همام المشار إليها وإذا امرتكم بالأمر فائتمروا ما استطعتم وفي رواية محمد بن زياد فافعلوا قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة واخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والامساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في اثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها وقال غيره فيه ان من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم والمجبوب عن الزنا لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على عدمه واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور انه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على ان ما وجب اداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح ان القضاء بأمر جديد واستدل بهذا الحديث على ان اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة وهذا منقول عن الامام احمد فان قيل ان الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها فجوابه ان الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل والذي يظهر ان التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعي من الاعتناء به بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف لو لا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فان العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي وعبر الطوفي في هذا الموضع بان ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة وأجيب بان النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة وقال بن فرج في شرح الأربعين قوله فاجتنبوه هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن انتهى والتحقيق ان المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال وأجاب الماوردي بان الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو يشق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي ان العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فان تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وزعم بعضهم ان قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم نسخ بقوله تعالى فاتقوا الله حق تقاته والصحيح ان