ثم كان مآل كل منهما ان يرجع إلى موطنه الذي اخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم على البغي عليه وارادتهم وصول السوء إليه وبيوسف على ما وقع له من إخوته من قريش في نصبهم الحرب له وارادتهم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح أقول كما قال يوسف لاتثريب عليكم وبإدريس على رفيع منزلته عند الله وبهارون على ان قومه رجعوا إلى محبته بعد ان آذوه وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى ذلك بقوله لقد اوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وبابراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلّم في اخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة ابداها السهيلي فأوردتها منقحة ملخصة وقد زاد بن المنير في ذلك أشياء اضربت عنها إذ أكثرها في المفاضلة بين الأنبياء والإشارة في هذا المقام عندي أولى من تطويل العبارة وذكر في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة معنى لطيفا زائدا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلّم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما تقدم بسطه في كتاب الشروط قال بن أبي جمرة الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان اولا في الأولى ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد ويليه يوسف لأن امة محمد تدخل الجنة على صورته وإدريس في الرابعة لقوله ورفعناه مكانا عليا والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى وموسى ارفع منه لفضل كلام الله وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب ان يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلّم بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم اخر وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي ان تكون ارفع المنازل ومنزلة الحبيب ارفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلّم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى قوله في قصة موسى فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك قال ابكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي وفي رواية شريك عن أنس لم اظن أحدا يرفع علي وفي حديث أبي سعيد قال موسى يزعم بنو إسرائيل اني اكرم على الله وهذا اكرم على الله مني زاد الأموي في روايته ولو كان هذا وحده هان علي ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه انه مر بموسى عليه السلام وهو يرفع صوته فيقول اكرمته وفضلته فقال جبريل هذا موسى قلت ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قلت ويرفع صوته على ربه قال ان الله قد عرف له حدته وفي حديث بن مسعود عند الحارث وأبي يعلى والبزار وسمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل فقال هذا موسى قلت على من تذمره قال على ربه قلت على ربه قال انه يعرف ذلك منه قال العلماء لم يكن بكاء موسى حسدا معاذ الله فان الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين فكيف بمن اصطفاه الله تعالى بل كان اسفا على مافاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص اجورهم المستلزم لتنقيص أجره لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا صلى الله عليه وسلّم مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة واما قوله غلام فليس على سبيل النقص بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو اسن منه وقد وقع من موسى من العناية بهذه الأمة من أمر الصلاة ما لم يقع لغيره ووقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار قال عليه الصلاة