الحديبية فأخذ رسول الله الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث .
وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد بن أحمد الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة وحكاه عن السمناني .
وصنف فيه كتابا وسبقه إليه ابن منية .
ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه ومعرفة الكتاب بعد أميته لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم .
وقد رد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب .
وقال كل ما ورد في الحديث من قوله كتب فمعناه أمر بالكتابة كما يقال كتب السلطان بكذا لفلان .
وتقديم قوله تعالى من قبله 29 العنكبوت 48 على قوله سبحانه ولا تخطه كالصريح في أنه E لم يكتب مطلقا .
وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد .
وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده فقال يفهم من ذلك أنه E كان قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة .
وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذا قيل بحجية المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيته .
ثم قال الألوسي في تفنيد هذه الردود ما نصه .
ولا يخفى أن قوله E إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه E .
ولعل ذلك باعتبار أنه بعث E وهو وأكثر من بعث إليهم وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد .
وأما ما ذكر من تأويل كتب بأمر بالمكاتبة فخلاف الظاهر .
وفي شرح صحيح مسلم للنووي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض إن قوله في الرواية التي ذكرناها ولا يحسن يكتب فكتب كالنص في أنه كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا .
فالله تعالى أعلم ا ه .
وأقول إن التشنيع ليس من دأب العلماء ولا من أدب الباحثين .
والمسألة التي نحن بصددها مسألة نظرية .
والحكم في أمثالها يجب أن يكون لما رجح من الأدلة لا للهوى والشهوة .
ونحن إذا استعرضنا حجج هؤلاء وهؤلاء نلاحظ أن أدلة أميته قطعية يقينية .
وأن أدلة كونه كتب وخط بيمينه ظنية غير يقينية ولم يدع أحد أنها قطعية يقينية .
ثم إن التعارض ظاهر فيما بين هذه وتلك .
غير أنه تعارض ظاهري يمكن دفعه بأن نحمل أدلة