الأمية على أولى حالاته وأن نحمل أدلة كتابته على أخريات حالاته وذلك جمعا بين الأدلة .
ولا ريب أن الجمع بينها أهدى سبيلا من إعمال البعض وإهمال البعض ما دام في كل منها قوة الاستدلال وما دام الجمع ممكنا على أية حال .
أما لو لم يمكن الجمع فلا مشاحة حينئذ في قبول القطعي ورد الظني لأن الأول أقوى من الثاني وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا 53 النجم 28 .
هذا هو الميزان الصحيح لدفع التعارض والترجيح فاحكم به عند الاختلاف والاشتباه ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .
كتابة القرآن .
بعد ما قصصنا عليك من تلك الفذلكة التاريخية في الخطوط والكتابة العربية نلفت نظرك إلى أن كتابة القرآن وفيناها بحثها في مبحث جمع القرآن من ص 163 إلى ص 179 وذكرنا هناك كيف كتب القرآن وفيم كتب على عهد النبي ثم على عهد عثمان Bهما .
ومنه تعلم أن عناية الرسول وأصحابه بكتابة القرآن كانت عناية فائقة يدلك على هذه العناية أن النبي كان له كتاب يكتبون الوحي منهم الأربعة الخلفاء ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وأرقم بن أبي وحنظلة بن الربيع وغيرهم .
فكان إذا أنزل عليه شيء يدعو أحد كتابه هؤلاء ويأمره بكتابة ما نزل عليه ولو كان كلمة كما روي أنه لما نزل عليه قوله تعالى لا يستوى القعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجهدون في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم 4 النساء 95 قال ابن أم مكتوم وعبد الله بن جحش يا رسول الله إنا أعميان فهل لنا رخصة فأنزل الله غير أولى الضرر قال رسول الله ائتوني بالكتف والدواة وأمر زيدا أن يكتبها .
فكتبها فقال زيد كأني أنظر إلى موضعها عند صدع الكتف .
ورواية البخاري اقتصرت هنا على عبد الله بن أم مكتوم وليس فيها ابن جحش .
ولعلك لم تنس حديث ابن عباس كان رسول الله إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال ضعوا هذه في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا .
وقوله من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه وقول أبي بكر لزيد بن ثابت إنك رجل شاب لا نتهمك .
وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله .
أضف إلى ذلك أن الصحابة كانوا يكتبون القرآن فيما يتيسر لهم حتى في العظام والرقاع وجريد النخل ورقيق الحجارة ونحو ذلك مما يدل على عظيم بلائهم في هذا الأمر الجلل Bهم أجمعين