ذلك رأي في معنى الاستثناء وثمة وجه آخر فيه وهو أنه استثناء حقيقي غير أن المراد به منسوخ التلاوة دون غيره ويكون معنى الآية أن الله تعالى يقرئ نبيه فلا ينسيه إلا ما شاءه وهو ما نسخت تلاوته لحكمة من الحكم التي بينها العلماء في مبحث النسخ .
والدليل على هذا قوله سبحانه في سورة البقرة ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها 2 البقرة 106 .
قال العلامة أبو السعود في تفسيره وقرئ ما ننسخ من آية أو ننسكها وقرئ ما ننسك من آية أو ننسخها والمعنى أن كل آية نذهب بها على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من إزالة لفظها أو حكمها أو كليهما معا إلى بدل أو إلى غير بدل نأت بخير منها أي نوع آخر هو خير للعباد بحسب الحال في النوع والثواب من الذاهبة .
وقرئ بقلب الهمزة ألفا أو مثلها أي فيما ذكر من النفع والثواب اه ما أردنا نقله .
وأيا ما يكن معنى الاستثناء في آية سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله 87 الأعلى 6 7 فإنه لا يفهم منه أن الرسول نسي حرفا واحدا مما أمر بتلاوته وتبليغه للخلق وإبقاء التشريع على قراءته وقرآنيته من غير نسخ .
وذلك على أن المراد من النسيان المحو التام من الذاكرة .
أما إن أريد به غيبة الذهن عنه فقد سبق القول فيه قريبا .
ولا تحسبن أن دواعي سهو الرسول ونسيانه تنال من مقامه فإنه دواع شريفة على حد ما قيل .
ياسائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاهي .
سها عن كل شيء سره فسها ... عما سوى الله فالتعظيم لله .
3 - و4 وأما احتجاجهم الثالث والرابع بأن الصحابة قد حذفوا من القرآن عند جمعه ما رأوا المصلحة في حذفه ومنه آية المتعة وصيغة القنوت فهو احتجاج باطل قائم على إهمال النصوص الصحيحة المتضافرة على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن وكانوا أيقظ الخلق في حراسة القرآن ولهذا لم يعتبروا من القرآن إلا ما ثبت بالتواتر وردوا كل مالم يثبت تواتره لأنه غير قطعي ويأبى عليهم دينهم وعقلهم أن يقولوا بقرآنية ما ليس بقطعي .
وقد سبق لك ما وضعوه من الدساتير المحكمة الرشيدة في كتابة الصحف على عهد أبي بكر وكتابة المصاحف على عهد عثمان .
فارجع إليها إن شئت لتعرف مدى إمعان هؤلاء المبطلين في التجني والضلال .
وإذا كان هؤلاء الطاعنون يريدون أن يلمزوا الصحابة ويعيبوهم بهذه الحيطة البالغة لكتاب الله حتى أسقطوا ما لم يتواتر وما لم يكن في العرضة الأخيرة وما نسخت تلاوته وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ نقول إذا كانوا يريدون أن يلمزوا الصحابة والقرآن بذلك فالأولى لهم أن يلمزوا أنفسهم وأن يواروا سوأتهم .
لأن المسلمين كانوا ولا يزالون أكرم على أنفسهم من أن يقولوا في كتاب الله بغير علم وأن ينسبوا إلى الله ما لم تقم عليه حجة