نبيهم فيما خصه الله به من العطايا والخصائص لم يخرج عن دائرة العبودية فلا يفتنون فيه كما فتن النصارى في المسيح ابن مريم .
والدليل على أن هذا الاستثناء صوري لا حقيقي أمران أحدهما ما جاء في سبب النزول وهو أن النبي كان يتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن حتى وقت نزول الوحي مخافة أن ينساه ويفلت منه فاقتضت رحمة الله بحبيبه أن يطمئنه من هذه الناحية وأن يريحه من هذا العناء فنزلت هذه الآية .
كما نزلت آية لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه 75 القيامة 16 17 .
وآية ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما 20 طه 114 .
ثانيهما أن قوله إلا ما شاء الله 6 الأنعام 128 يعلق وقوع النسيان على مشيئة الله إياه .
والمشيئة لم تقع بدليل ما مر بك من نحو قوله إن علينا جمعه وقرءانه 75 القيامة 17 .
وإذا فالنسيان لم يقع للعلم بأن عدم حصول المعلق عليه يستلزم عدم حصول المعلق .
فالذي عنده ذوق لأساليب اللغة ونظر في وجوه الأدلة يتردد في أن الآية وعد من الله أكيد بأن الرسول يقرئه الله فلا ينسى وعدا منه على وجه التأييد من غير استثناء حقيقي لوقت من الأوقات .
وإلا لما كانت الآية مطمئنة له E ولكان نزولها أشبه بالعبث ولغو الكلام .
قال العلامة المرحوم الشيخ محمد عبده عند تفسيره للاستثناء في هذه الآية ما نصه ولما كان الوعد على وجه التأبيد واللزوم ربما يوهم أن قدرة الله لا تسع غيره وأن ذلك خارج عن إرادته جل شأنه جاء بالاستثناء في قوله إلا ما شاء الله فإنه إذا أراد أن ينسيك شيئا لم يعجزه ذلك فالقصد هو نفي النسيان رأسا .
وقالوا إن ذلك كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله لا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي .
وعلى ذلك جاء الاستثناء في قوله تعالى في سورة هود وأما الذين سعدوا ففي الجنة خلدين فيها ما دامت السموت والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ 11 هود 108 أي غير مقطوع .
فالاستثناء في مثل هذا للتنبيه على أن ذلك التأبيد والتخليد بكرم من الله وسعة جود لا بتحتيم عليه وإيجاب وأنه لو أراد أن يسلب ما وهب لم يمنعه من ذلك مانع .
وما ورد من أنه نسي شيئا كان يذكره فذلك إن صح فهو في غير ما أنزل الله من الكتاب والأحكام التي أمر بتبليغها .
وكل ما يقال غير ذلك فهو من مدخلات الملحدين التي جازت على عقول المغفلين فلوثوا بها ما طهره الله فلا يليق بمن يعرف قدر صاحب الشريعة ويؤمن بكتاب الله أن يتلق بشيء من ذلك اه