عباد بن بشار قد امحت من ذهنه الشريف جملة غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة عباد .
وغيبة الشيء عن الذهن أو غفلة الذهن عن الشيء غير محوه منه .
بدليل أن الحافظ منا لأي نص من النصوص يغيب عنه هذا النص إذا اشتغل ذهنه بغيره وهو يوقن في ذلك الوقت بأنه مخزون في حافظته بحيث إذا دعا إليه داع استعرضه واستحضره ثم قرأه .
أما النسيان التام المرادف لامحاء الشيء من الحافظة فإن الدليل قام على استحالته على النبي فيما يخل بوظيفة الرسالة والتبليغ .
وإذا عرض له نسيان فإنه سحابة صيف لا تجيء إلا لتزول .
ولا ريب أن نسيان الرسول هنا كان بعد أن أدى وظيفته وبلغ الناس وحفظوا عنه .
فهو نسيان لم يخل بالرسالة والتبليغ .
قال البدر العيني في باب نسيان القرآن من شرحه لصحيح البخاري ما نصه .
وقال الجمهور جاز النسيان عليه أي على النبي فيما ليس طريقه البلاغ والتعليم بشرط ألا يقر عليه بل لا بد أن يذكره .
وأما غيره فلا يجوز قبل التبليغ وأما نسيان ما بلغه كما في هذا الحديث فهو جائز بلا خلاف اه .
هذا ولقد كنت في الطبعة الأولى تابعت بعض الكاتبين هنا في اتهام هذه الرواية بالدس والوضع ولكن تبين لي بعد إعادة النظر وتنبيه بعض ذوي الفطن أن الخبر صحيح رواه الشيخان ففي صحيح البخاري عن هشام عن عروة عن عائشة Bها قالت سمع النبي رجلا يقرأ في المسجد .
فقال يC .
لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا .
زاد في رواية أخرى وقال أسقطتهن من سورة كذا وكذا .
وفي صحيح مسلم عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي سمع رجلا يقرأ من الليل فقال يC لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا .
وقال النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن ما نصه وثبت في الصحيحين أيضا عن عائشة Bها أن النبي سمع رجلا يقرأ فقال C لقد أذكرني آية كنت أسقطتها .
وفي رواية في الصحيح كنت أنسيتها اه .
سبحان ربي لا يضل ربي ولا ينسى 20 طه 52 .
2 - وأما احتجاجهم الثاني وهو الاسثناء الذي في قوله سبحانه سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله 87 الأعلى 6 7 فلا يدل على ما زعموا لأنه استثناء صوري لا حقيقي .
والحكمة فيه أن يعلن الله عباده أن عدم نسيانه الذي وعده الله إياه في قوله فلا تنسى إنما هو محض فضل من الله وإحسان ولو شاء سبحانه أن ينسيه لأنساه .
وفي ذلك الاستثناء الصوري فائدتان إحداهما ترجع إلى النبي حيث يشعر دائما أنه مغمور بنعمة الله وعنايته ما دام متذكرا للقران لا ينساه والثانية تعود على أمته حيث يعلمون أن