القرآن خصوصا إذا لاحظنا في بعض الروايات معنى تخيير الشخص أن يأتي من عنده باللفظ وما يرادفه أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى كحديث أبي بكرة وفيه كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل .
جاء بهذا اللفظ من رواية أحمد بإسناد جيد ومثله حديث أبي بن كعب .
وأكثر من ذلك ما جاء في فضائل أبي عبيد أن عبد الله بن مسعود أقرأ رجلا إن شجرت الزقوم طعام الأثيم 44 الدخان 43 44 فقال الرجل طعام اليتيم فردها عليه فلم يستقم بها لسانه .
فقال أتستطيع أن تقول طعام الفاجر قال نعم قال فافعل ا ه .
والجواب أن اختلاف القراءات لا يوقع في شك ولا ريب ما دام الكل نازلا من عند الله .
وأما هذه الروايات التي اعتمدت عليها الشبهة فلا نسلم أنه يفهم منها معنى تخيير الشخص أن يأتي من تلقاء نفسه باللفظ وما يرادفه أو باللفظ وما لا يضاده في المعنى حتى يوقع ذلك في ريب من هذا التنزيل .
بل قصارى ما تدل عليه هذه الروايات أن الله تعالى وسع على عباده خصوصا في مبدأ عهدهم بالوحي أن يقرؤوا القرآن بما تلين به ألسنتهم .
وكان من جملة هذه التوسعة القراءة بمترادفات من اللفظ الواحد للمعنى الواحد مع ملاحظة أن الجميع نازل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب محمد وقرأه الرسول على الناس على مكث وسمعوه منه ثم نسخ الله ما شاء أن ينسخ بعد ذلك وأبقى ما أبقى لحكمة سامية تستقبلك في مبحث النسخ .
يدل على أن الجميع نازل من عند الله تعالى قوله لكل من المتنازعين المختلفين في القراءة من أصحابه هكذا أنزلت وقول كل من المختلفين لصاحبه أقرأنيها رسول الله وقول الله تعالى لرسوله جوابا لمن سأله تبديل القرآن قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاىء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم 10 يونس 15 وليس بعد كلام الله ورسوله كلام .
كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم هذا القرآن لا من ناحية أسلوبه ولا من ناحية ألفاظه بل ولا من ناحية قانون أدائه فمن يخرج على هذا الإجماع ويتبع غير سبيل المؤمنين يوله الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا .
وها نحن أولاء قد رأينا القرآن في تلك الآية يمنع الرسول من محاولة ذلك منعا باتا مشفوعا بالوعيد الشديد ومصحوبا بالعقاب الأليم .
فما يكون لابن مسعود ولا لأكبر من ابن مسعود بعد هذا أن يبدل لفظا من ألفاظ القرآن بلفظ من تلقاء نفسه .
انظر ما قررناه في الشاهدين الرابع والسابع من هذا المبحث