أما هذه الرواية المنسوبة إلى ابن مسعود من أنه أقرأ الرجل بكلمة الفاجر بدلا من كلمة الأثيم في قول الله تعالى إن شجرت الزقوم طعام الأثيم 44 الدخان 43 44 فتدل على أن ابن مسعود سمع الروايتين عن رسول الله .
ولما رأى الرجل قد تعسر عليه النطق بالأولى أشار عليه أن يقرأ بالثانية وكلاهما منزل من عند الله .
وكذلك حديث أبي بكرة السابق لا يدل على جواز تبديل الشخص ما شاء من القرآن بما لا يضاده كما زعم الواهم إنما ذلك الحديث وأشباهه من باب الأمثال التي يضربها الرسول للحروف التي نزل عليها القرآن ليفيد أن تلك الحروف على اختلافها ما هي إلا ألفاظ متوافقة مفاهيمها متساندة معانيها لا تخاذل بينها ولا تهافت ولا تضاد ولا تناقض ليس فيها معنى يخالف معنى آخر على وجه ينفيه ويناقضه كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضدها .
وتلك الأحاديث بهذا الوجه تقرير لأن جميع الحروف نازلة من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا 4 النساء 82 .
وهاك برهانا آخر ذكره صاحب التبيان في مثل هذا المقام إذ يقول إن النبي علم البراء بن عازب دعاء فيه هذه الكلمة ونبيك الذي أرسلت فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله قال ورسولك الذي أرسلت فلم يوافقه النبي على ذلك بل قال له لا .
ونبيك الذي أرسلت .
وهكذا نهاه E أن يضع لفظة رسول موضع لفظة نبي مع أن كليهما حق لا يحيل معنى إذ هو رسول ونبي معا .
ثم قال فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه E كان يجيز أن يوضع في القرآن الكريم مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم .
وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا والله يقول مخبرا عن نبيه ما يكون لي أن أبدله من تلقاىء نفسي 10 يونس 15 ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى ا ه بتصرف قليل .
الشبهة الثالثة يقولون إن نزول القرآن على سبعة أحرف ينافي ما هو مقرر من أن القرآن نزل بلغة قريش وحدها ثم إنه يؤدي إلى ضياع الوحدة التي يجب أن تسود الأمة الواحدة بسبب اجتماعها على لسان واحد .
والجواب أنه لا منافاة ولا ضياع للوحدة فإن الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن الكريم واقعة كلها في لغة قريش .
ذلك أن قريشا كانوا قبل مهبط الوحي والتنزيل قد داوروا بينهم لغات العرب جميعا وتداولوها وأخذوا ما استملحوه من هؤلاء وهؤلاء في الأسواق العربية ومواسمها ووقائعها وحجها وعمرتها ثم استعملوه وأذاعوه بعد أن هذبوه وصقلوه .
وبهذا كانت لغة قريش مجمع لغات مختارة منتقاة من بين لغات القبائل كافة .
وكان هذا سببا من أسباب انتهاء الزعامة إليهم واجتماع أوراع العرب عليهم