وإنا لقوم ما نعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا .
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا .
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا .
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا .
وفي رواية عبد الله بن جراد : .
علونا على طر العباد تكرما ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا .
وفي سائر الروايات كما ذكرنا إلا أن منهم من يقولون : مجدنا وجدودنا فقال النبي A : " إلى أين يا أبا ليلى " . قال : فقلت : إلى الجنة . قال : " نعم إن شاء الله تعالى " . فلما أنشدته : .
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا .
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا .
فقال رسول الله A : " لا يفضفض الله فاك " . قال : وكان من أحسن الناس ثغرا . وكان إذا سقطت له سن نبتت أخرى وفي رواية عبد الله بن جراد لهذا الخبر قال : فنظرت إليه كأن فاه البرد المنهل يتلألأ ويبرق ما سقطت له سن ولا تفلتت لقول رسول الله A : " أجدت لا يفضض الله فاك " . قال : وعاش النابغة بدعوة النبي A حتى أتت عليه مائة واثنتا عشرة سنة فقال في ذلك : .
أتيت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذلك واثنتان .
وقد أبقت صروف الدهر مني ... كما أبقت من الذكر اليماني .
ألا زعمت بنو سعد بأني ... وما كذبوا كبير السن فاني .
قال أبو عمر : قد روينا هذا الخبر من وجوه كثيرة عن النابغة الجعدي من طريق يعلي بن الأشدق وغيره وليس في شيء منها من الأبيات ما في هذه الرواية وهذه أتمها وأحسنها سياقة إلا أن رواية يعلي بن الأشدق وعبد الله ابن جراد أن رسول الله A قال : " أجدت لا يفضض الله فاك " . وليس في هذه الرواية " أجدت " . وما أظن النابغة إلا وقد أنشد الشعر كله رسول الله A وهي قصيدة طويلة نحو مائتي بيت أولها : .
خليلي غضا ساعة وتهجرا ... ولو ما على ما أحدث الدهر أو ذرا .
وقد ذكرت منها ما أنشده أبو عبد الله بن محمد بن عبد السلام الخشني عن أبي الفضل الرياشي رحمة الله عليهما في آخر باب النابغة هذا من هذا الكتاب وهو من أحسن ما قيل من الشعر في الفخر بالشجاعة سباطة ونقاوة وجزالة وحلاوة وفي هذا الشعر مما أنشده رسول الله A : .
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيرا .
وجاهدت حتى ما أحس ومن معي ... سبيلا إذا ما لاح ثم تحورا .
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها ... وكنت من النار المخوفة أحذرا .
وأسلم وحسن إسلامه وكان يرد على الخلفاء ورد على عمر ثم على عثمان وله أخبار حسان .
وقال عمر بن شبة : كان النابغة الجعدي شاعرا مغلبا إلا أنه كان إذا هاجى غلب هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جعيل فغلبوه وهو أشعر منهم مرارا ليس فيهم من يقرب منه وكذلك قال فيه ابن سلام وغيره . وذكر الهيثم بن عدي قال : رعت بنو عامر بالبصرة في الزروع فبعث أبو موسى الأشعري في طلبهم فتصارخوا يا آل عامر ! .
فخرج النابغة الجعدي ومعه عصبة له فأتى به أبو موسى فقال له : ما أخرجك قال : سمعت داعية قومي قال فضربه به أسواطا . فقال النابغة في ذلك : .
رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا .
فإن تك لابن عفان أمينا ... فلم يبعث بك البر الأمينا .
فيا قبر النبي وصاحبيه ... ألا يا غوثنا لو تسمعونا .
ألا صلى إلهكم عليكم ... ولا صلى على الأمراء فينا .
فأما خبره مع ابن الزبير فأخبرني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا القاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا زبير بن بكار حدثني هارون ابن أبي بكر حدثني يحيى بن إبراهيم البهزي حدثنا سليمان بن محمد عن يحيى ابن عروة عن أبيه عن عمه عبد الله بن عروة بن الزبير قال : أقحمت السنة نابغة بني جعدة فدخل على عبد الله بن الزبير في المسجد الحرام فأنشده :