- الحديث الخامس : روي أنه عليه السلام .
- لبى في دبر صلاته - يعني ركعتي الإحرام - .
قلت : أخرجه الترمذي والنسائي ( 1 ) عن عبد السلام بن حرب ثنا خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي عليه سلام أهل في دبر الصلاة انتهى . وقال : حديث حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير عبد السلام بن حرب انتهى . قال في " الإمام " : وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان في " صحيحيهما " وخصيف بن عبد الرحمن الجزري ضعفه بعضهم انتهى .
قوله : ولو لبى بعد ما استوت به راحلته جاز ولكن الأول أفضل لما روينا قلت : يشير إلى الحديث المذكور ولكن أحاديث : أنه لبى بعد ما استوت به راحلته واضح فأخرج البخاري ومسلم ( 2 ) عن نافع عن ابن عمر أن النبي عليه السلام أهل حين استوت به راحلته قائمة وفي لفظ لهما ( 3 ) عن سالم عنه : قال : ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا من عند المسجد - يعني ذا الحليفة - مختصر وفي لفظ لمسلم : قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة انتهى . وفي لفظ لمسلم عن عبيد بن جريج عن ابن عمر قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلّم يهل حتى تنبعث به راحلته مختصر . وأخرجه البخاري ( 4 ) عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : صلى النبي عليه السلام بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل انتهى . وأخرج أيضا عن عطاء عن جابر أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته انتهى . وأخرج مسلم عن ابن عباس وفيه : ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج مختصر وفي سنن أبي داود ( 5 ) ما يجمع بين هذه الأحاديث وحديث : أهل في دبر صلاته أخرجه عن ابن إسحاق عن خصيف عن سعيد بن جبير قال : قلت لعبد الله بن عباس : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في إهلاله حين أوجب فقال : إني لأعلم الناس بذلك إنها إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا : إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى عليه السلام فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك أقوام فقالوا : إنما أهل حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به ناقته وأهل حين علا على شرف البيداء فمن أخذ بقول ابن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " ( 6 ) وقال : صحيح على شرط مسلم وابن إسحاق فيه مقال وكذلك خصيف ( 7 ) قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : ( 8 ) كان فقيها صالحا إلا أنه كان يخطئ كثيرا والإنصاف فيه قبول ما وافق فيه الأثبات وترك ما لم يتابع عليه وأنا أستخير الله في إدخاله في الثقات وكذلك احتج به جماعة من أئمتنا وتركه آخرون انتهى .
قوله : وهو إجابة الدعاء الخليل عليه السلام على ما هو المعروف في القصة - يعني في التلبية - قلت : فيه آثار عن الصحابة والتابعين . فمنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 9 ) في فضائل إبراهيم عليه السلام عن جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله إليه أن أذن في الناس بالحج قال : فقال إبراهيم : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه فاستجاب له ما سمعه من حجر أو شجرة أو مدر أو غير ذلك : لبيك اللهم لبيك انتهى . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى . وفيه نظر نقل عن ابن معين أنه قال : حديث عطاء بن السائب ضعيف ( 10 ) إلا ما كان من رواية سفيان وشعبة وحماد بن سلمة إلا حديثين سمعهما شعبة بأخرة والله أعلم . وأخرجه أيضا عن جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال : رب قد فرغت فقال : أذن في الناس بالحج قال : رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ قال : رب كيف أقول ؟ قال : قل : يا أيها الناس كتب عليكم الحج حج البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض ألا ترون أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون ؟ انتهى . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
- طريق آخر : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة ثنا أبو عاصم عن أبي الطفيل قال : قلت لا بن عباس : أتدري كيف كانت التلبية ؟ إن إبراهيم أمر أن يؤذن الناس بالحج فرفعت له القرى وخفضت الجبال رؤوسها فأذن في الناس بالحج وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه مختصر . وفيه قصة .
- آخر : رواه أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في " تاريخ مكة " حدثني محمد يحيى عن محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري قال : قال عبد الله بن سلام : لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس قام على المقام فارتفع المقام حتى أشرف على ما تحته وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا : لبيك اللهم لبيك انتهى . وروى أيضا : حدثني جدي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : قام إبراهيم عليه السلام على هذا المقام فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم فقالوا : لبيك اللهم لبيك قال : فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ انتهى .
قوله : ولا ينبغي أن يخل بشيء من هذه الكلمات لأنه المنقول باتفاق الرواة فلا ينقص عنه قلت : فيه نظر إذ ليس ما ذكره من التلبية منقولا باتفاق الرواة فقد روى حديث التلبية عائشة وعبد الله بن مسعود وليس فيه : والملك لك لا شريك لك .
- فحديث عائشة : أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 11 ) عن أبي عطية عن عائشة قالت : إني لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبي : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك انتهى . ووهم شيخنا علاء الدين في عزوه للشيخين فإن مسلما لم يخرج حديث عائشة أصلا .
- وحديث ابن مسعود : أخرجه النسائي في " سننه " ( 12 ) عن حماد بن زيد عن أبان بن تغلب عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد عن عبد الله قال : كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك انتهى . وكذلك رواه الطحاوي في " شرح الآثار " ( 13 ) وهي موجودة في حديث ابن عمر أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن نافع عنه قال : كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك قال : وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها : لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل انتهى . وموجودة في حديث جابر أيضا أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بمثل حديث ابن عمر خلا الزيادة .
قوله : روى أن أجلاء الصحابة : كابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة Bهم زادوا على المأثور - يعني في التلبية - قلت : حديث ابن عمر رواه الأئمة الستة في كتبهم عن نافع عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ليبك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال : ( 14 ) وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته : لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل انتهى . وأخرج مسلم ( 15 ) هذه الزيادة من قول عمر أيضا ولفظه : عن ابن عمر قال : وكان عمر بن الخطاب Bه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من هؤلاء الكلمات ويقول : لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل مختصر .
وقوله : من هؤلاء الكلمات يريد تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم من رواية ابن عمر وجهل من قال : - يعني المذكور - في حديث عائشة لأن مسلما لم يخرج حديث عائشة أصلا ولا خرج في التلبية غير حديث ابن عمر ثم ذكر هذا عقيبه والله أعلم . وحديث ابن مسعود رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال : سمعت أبي يحدث عن أبي إسحاق المهراني عن عبد الرحمن بن زيد قال : حججنا في إمارة عثمان بن عفان مع عبد الله بن مسعود فذكر حديثا فيه طول وفي آخره : وزاد ابن مسعود في تلبيته فقال : لبيك عدد التراب وما سمعته قبل ذلك ولا بعد انتهى . وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " وحديث أبي هريرة غريب عنه لكنه روى زيادة مرفوعة في حديث أخرجه النسائي وابن ماجه عن الأعرج عن أبي هريرة . قال : كان من تلبية النبي عليه السلام : لبيك إله الحق لبيك انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني عشر من القسم الخامس والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انتهى .
- أحاديث الباب : أخرج أبو داود عن يحيى بن سعيد ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : أهل رسول الله صلى الله عليه سلم فذكر التلبية بمثل حديث ابن عمر وزاد : قال : والناس يزيدون : لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي عليه السلام يسمع فلا يقول لهم شيئا انتهى . وأخرجه ابن ماجه عن سفيان عن جعفر به بدون الزيادة ولم يصب المنذري إذ قال عقيبه : وأخرجه ابن ماجه لأنه يوهم أنه أخرجه بالزيادة ومن هنا يظهر أنه كان يقلد أصحاب " الأطراف " والله أعلم .
- حديث آخر : روى ابن سعد في " الطبقات - في ترجمة الحسن بن علي " ( 16 ) أخبرنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم بن أبي مسلم قال : سمعت الحسن بن علي يزيد في التلبية : لبيك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى .
- حديث آخر : روى الشافعي ( 17 ) ثنا سعيد عن ابن جريج قال : أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال : كان النبي عليه السلام يظهر من التلبية : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك قال : حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها : " لبيك إن العيش عيش الآخرة " قال ابن جريج : وحسبت أن ذاك يوم عرفة انتهى وهو مرسل من الإمام .
_________ .
( 1 ) الترمذي في " باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلّم " ص 113 - ج 1 ، والنسائي في " باب العمل بالإهلال " ص 17 - ج 2 .
( 2 ) البخاري في " باب من أهل حين استوت به راحلته " ص 210 ، ومسلم في " باب بيان أن الأفضل أن يحرم حين تنبعث به راحلته متوجها إلى مكة لا عقب الركعتين " ص 377 .
( 3 ) البخاري في " باب الاهلال عند مسجد ذي الحليفة ص 208 ، ومسلم : ص 376 .
( 4 ) البخاري في " باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح " ص 209 .
( 5 ) ص 246 - ج 1 .
( 6 ) ص 451 - ج 1 .
( 7 ) ليس في النسخة المطبوعة من " المستدرك " تضعيف " خصيف " .
( 8 ) ووثقه ابن سعيد والنفيلي والبخاري كما في " تهذيب التهذيب " .
( 9 ) ص 552 - ج 2 .
( 10 ) كذا في " تهذيب التهذيب - في ترجمة عطاء بن السائب " .
( 11 ) في " باب التلبية " ص 210 .
( 12 ) في " باب كيف التلبية " ص 17 - ج 2 .
( 13 ) ص 363 .
( 14 ) القائل هو الطحاوي كما تقدم آنفا .
( 15 ) ص 376 - ج 1 .
( 16 ) لم أجد ترجمة الحسن بن علي في النسخة المطبوعة من " الطبقات " بليدن والله أعلم .
( 17 ) أخرجه الشافعي في كتاب " الأم " ص 133 - ج 2