حديث آخر أخرجه أبو داود ( 15 ) عن شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود انتهى . قال أبو داود : رواه هشيم . وخالد . وابن ادريس عن يزيد لم يذكروا فيه : ثم لا يعود انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : واعترض عليه بأمور : أحدها : إنكار هذه الزيادة على شريك وزعموا أن جماعة رووه عن يزيد فلم يذكروها قال الشيخ : وقد توبع شريك عليها كما أخرجه الدارقطني ( 16 ) عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد به نحوه وأنه كان تغير بآخره وصار يتلقن واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه فقلت : أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت : ثم لم يعد قال : لا أحفظ هذا ثم عاودته فقال : لا أحفظه وقال البيهقي : سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول : يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ فلما كبر ساء حفظه فكان يقلب الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز وقال الحاكم ثم البيهقي عنه بسند عن أحمد بن حنبل قال : هذا حديث واه قد كان يزيد بن أبي زياد يحدث به برهة من دهره فلا يذكر فيه : ثم لا يعود فلما لقن أخذه فكان يذكره فيه قال الشيخ : ويزيد بن أبي زياد معدود في أهل الصدق كوفي يكنى " أبا عبد الله " ذكر أبو الحارث القروي قال أبو الحسن : يزيد بن أبي زياد جيد الحديث وذكر مسلم في " مقدمة كتابه " صنفا فقال فيهم : إن الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب . ويزيد بن أبي زياد . وليث بن أبي سليم . الأمر الثاني : المعارضة برواية إبراهيم بن يسار عن سفيان ثنا يزيد بن أبي زياد - بمكة - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع قال سفيان : فلما قدمت الكوفة سمعته يقول : يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود فظننتهم لقنوه رواه الحاكم ثم البيهقي عنه ( 17 ) . قال الحاكم : لا أعلم أحدا ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي وهو ثقة من الطبقة الأولى من أصحاب ابن عيينة جالس ابن عيينة نيفا وأربعين سنة ورواه البخاري في " كتابه - في رفع اليدين ( 18 ) " حدثنا الحميدي ثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد بمثل لفظ الحاكم قال البخاري : وكذلك رواه الحفاظ ممن سمع يزيد قديما : منهم شعبة . والثوري . وزهير وليس فيه : ثم لم يعد انتهى . وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : يزيد بن أبي زياد كان صدوقا إلا أنه لما كبر تغير فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة ليس بشيء انتهى .
- طريق آخر لحديث البراء أخرجه أبو داود ( 19 ) عن وكيع عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف انتهى . قال أبو داود : هذا الحديث ليس بصحيح وكأنه ضعفه بمحمد بن أبي ليلى وذكره البخاري في " كتابه - في رفع اليدين " معلقا لم يصل سنده به ثم قال : وإنما روى ابن أبي ليلى هذا من حفظه فأما من روى عن ابن أبي ليلى من كتابه فإنما حدث عنه عن يزيد بن أبي زياد فرجع الحديث إلى تلقين يزيد والمحفوظ ما روى عنه الثوري . وشعبة . وابن عيينة قديما ليس قيه : ثم لم يرفع انتهى . وقال الحازمي في " كتابه الناسخ والنسوخ " : الوجه التاسع عشر : أن يكون أحد الروايتين لم يضطرب لفظه فترجح خبره على خبر من اضطرب لفظه لأنه يدل على ضبطه نحو حديث ابن عمر أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع فإنه يروي عن ابن عمر من غير وجه ولم يختلف عليه فيه فهو أولى بالمصير من حديث البراء بن عازب : أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود لأنه يعرف بيزيد بن أبي زياد وهو قد اضطرب فيه قال سفيان بن عيينة : كان يزيد بن أبي زياد يروي هذا الحديث ولا يقول فيه : ثم لا يعود ثم دخلت الكوفة فرأيته يرويه وقد زاد فيه : ثم لا يعود لقنوه فتلقن انتهى . قال البيهقي في " المعرفة " : ويدل على أنه تلقنها أن أصحابه القدماء لم يؤثروها عنه مثل سفيان الثوري . وشعبة . وهشيم . وزهير . وغيرهم وإنما أتى بها عنه من سمع منه بآخره وكان قد تغير واختلط وابن أبي زياد ضعفه ابن معين وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن البراء . ومحمد ابن أبي ليلى أضعف عند أهل الحديث من ابن أبي زياد واختلف عليه في إسناده فقيل : هكذا وقيل : عنه عن الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى وقيل : عنه عن يزيد بن أبي زياد عن ابن ليلى فعاد الحديث إلى يزيد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كان أبي ينكر حديث الحكم وعيسى ويقول : إنما هو حديث يزيد بن أبي زياد وابن أبي ليلى سيء الحفظ . وابن أبي زياد ليس بالحافظ انتهى .
- حديث آخر أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن عبد الله بن عون الخراز ثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود انتهى . قال البيهقي : قال الحاكم : هذا باطل موضوع ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح فقد روينا بالأسانيد الصحيحة عن مالك بخلاف هذا ولم يذكر الدارقطني هذا في " غرائب حديث مالك " قال الشيخ : والخراز هذا " بخاء معجمة بعدها راء مهملة آخره زاي معجمة " .
- حديث آخر أخرجه البيهقي في " الخلافيات " أيضا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن محمد بن إسحاق عن الحسن بن الربيع عن حفص بن غياث عن محمد ابن أبي يحيى ( 20 ) عن عباد بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة ثم لم يرفعها في شيء حتى يفرغ انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : وعباد هذا تابعي فهو مرسل انتهى .
- حديث آخر حديث : " لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن " وقد تقدم الكلام عليه .
- حديث آخر ذكر الحاكم أبو عبد الله في " كتاب المدخل ( 21 ) إلى معرفة الإكليل في ذكر المجروحين " تحت ترجمة جماعة وضعوا الحديث في الوقت لحاجتهم إليه قال : وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني : إن قوما يرفعون أيديهم في الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع فقال : حدثنا المسيب بن واضح ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن زيد عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له انتهى . قال الحاكم : فكل من رزقه الله فهما في نوع من العلم وتأمل هذه الأحاديث علم أنها موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم انتهى . وهذا الحديث رواه ابن الجوزي بإسناده في " الموضوعات " عن محمد بن عكاشة به ثم نقل عن الدارقطني أنه قال : محمد بن عكاشة هذا كان يضع الحديث ثم رواه ابن الجوزي من حديث المأمون بن أحمد السلمي ثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : " من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له " انتهى . وكذلك رواه في " كتاب التحقيق " ونقل في الكتابين عن ابن حبان أنه قال : مأمون هذا كان دجالا من الدجاجلة قال ابن الجوزي : وما أبله من وضع هذه الأحاديث الباطلة لتقاوم بها الأحاديث الصحيحة فقد روى الرفع من الصحابة جماعة كثيرون وسمى ستة وعشرين رجلا قال : ومن لم يكن الحديث صناعته لم ينكر عليه الاحتجاج بالأباطيل انتهى .
- الآثار في ذلك : روى الطحاوي ( 22 ) ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش عن عبد الملك ابن أبجر عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود قال : رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود قال : ورأيت إبراهيم . والشعبي يفعلان ذلك قال الطحاوي : فهذا عمر لم يكن يرفع يديه أيضا إلا في التكبيرة الأولى والحديث صحيح فإن مداره على الحسن بن عياش وهو ثقة حجة ذكر ذلك يحيى بن معين عنه انتهى . واعترضه الحاكم : بأن هذه رواية شاذة لا يقوم بها حجة ولا تعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاوس بن كيسان عن ابن عمر ( 23 ) أن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وروى هذا الحديث سفيان الثوري عن الزبير بن عدي به ولم يذكر فيه : لم يعد ثم رواه الحاكم وعنه البيهقي بسنده عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود أن عمر ( 24 ) كان يرفع يديه في التكبير انتهى . قال الشيخ : وما ذكره الحاكم فهو من باب ترجيح رواية لا من باب التضعيف وأما قوله : إن سفيان لم يذكر عن الزبير بن عدي فيه : لم يعد فضعيف جدا لأن الذي رواه سفيان في مقدار الرفع والذي رواه الحسن بن عياش في محل الرفع ولا تعارض بينهما ولو كانا في محل واحد لم تعارض رواية من زاد برواية من ترك والحسن بن عياش أبو محمد هو أخو أبي بكر بن عياش قال فيه ابن معين : ثقة هكذا رواه ابن أبي خيثمة عنه وقال عثمان بن سعيد الدرامي : الحسن . وأخوه أبو بكر بن عياش كلاهما من أهل الصدق والأمانة وقال ابن معين : كلاهما عندي ثقة .
- أثر آخر أخرجه الطحاوي ( 25 ) عن أبي بكر النهشلي ثنا عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا Bه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يعود يرفع انتهى . وهو أثر صحيح قال البخاري في " كتابه - في رفع اليدين " : وروى أبو بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا رفع يديه في أول التكبيرة ثم لم يعد وحديث عبيد الله بن أبي رافع أصح انتهى . فجعله دون حديث عبيد الله بن أبي رافع في الصحة وحديث ابن أبي رافع صححه الترمذي . وغيره وسيأتي في أحاديث الخصوم وقال الدارقطني في " علله " : واختلف على أبي بكر النهشلي فيه فرواه عبد الرحيم بن سليمان عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلّم ووهم في رفعه وخالفه جماعة من الثقات : منهم عبد الرحمن بن مهدي . وموسى بن داود . وأحمد بن يونس . وغيرهم فرووه عن أبي بكر النهشلي موقوفا على علي وهو الصواب وكذلك رواه محمد بن أبان عن عاصم موقوفا انتهى . فجعله الدارقطني موقوفا صوابا والله أعلم .
- أثر آخر أخرجه البيهقي عن سوار بن مصعب عن عطية العوفي أن أبا سعيد الخدري . وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران ثم لا يعودان انتهى . قال البيهقي : قال الحاكم : وعطية سيء الحال وسوار أسوأ حالا منه وأسند البيهقي عن البخاري أنه قال : سوار بن مصعب منكر الحديث وعن ابن معين أنه غير محتج به .
- أثر آخر أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار ( 26 ) " عن إبراهيم النخعي قال : كان عبد الله بن مسعود لا يرفع يديه في شيء من الصلوات إلا في الافتتاح انتهى . قال الطحاوي : فإن قالوا : إن إبراهيم عن عبد الله غير متصل قيل لهم : كان إبراهيم لا يرسل عن عبد الله إلا ما صح عنده وتواترت به الرواية عنه كما أخبرنا وأسند عن الأعمش ( 27 ) أنه قال لإبراهيم : إذا حدثتني عن عبد الله فأسند قال : إذا قلت لك : قال عبد الله : فاعلم أني لم أقله حتى حدثنيه جماعة عنه وإذا قلت لك : حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثي وحده عنه قال : ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر فإنهم أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع بينهما واختلفوا في تكبيرة الركوع . وتكبيرة الرفع منه فألحقهما قوم بالتكبيرة الأولى وألحقهما قوم بتكبيرة السجدتين ثم أنا رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تصح بدونها الصلاة والتكبيرة بين السجدتين ليست بذلك ورأينا تكبيرة الركوع والنهوض ليستا من صلب الصلاة فألحقناهما بتكبيرة السجدتين والله أعلم انتهى كلامه .
( يتبع ... )