- الحديث التاسع والثلاثون : يوجد في بعض نسخ " الهداية - للشافعي " ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلّم .
- كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع .
قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم ( 1 ) " عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك فإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود انتهى . قال البخاري في " كتابه المفرد في رفع اليدين " : وروي عن أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا في التكبيرة الأولى قال ابن معين : إنما هو توهم لا أصل له أو هو محمول على السهو كبعض ما يسهو الرجل في صلاته ولم يكن ابن عمر يدع ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلّم مع ما رواه عن ابن عمر مثل طاوس . وسالم . ونافع . ومحارب بن دثار . وأبي الزبير أنه كان يرفع يديه فلو صحت رواية مجاهد لكانت رواية هؤلاء أولى ثم أخرج روايات هؤلاء المذكورين : أن ابن عمر كان يرفع يديه في الصلاة والله أعلم .
- أحاديث أصحابنا : منها حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ أسكنوا في الصلاة " أخرجه مسلم ( 2 ) واعترضه البخاري في " كتابه الذي وضعه ( 3 ) في رفع اليدين " فقال : وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحن نرفع أيدينا في الصلاة فقال : " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ أسكنوا في الصلاة " وهذا إنما كان في التشهد لا في القيام ففسره رواية عبد الله بن القبطية قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلّم قلنا : السلام عليكم . السلام عليكم وأشار بيده إلى الجانبين فقال : " ما بال هؤلاء يؤمنون بأيديهم كأنه أذناب خيل شمس ؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم ليسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله " انتهى . وهذا قول معروف لا اختلاف فيه ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضا منهيا عنه لأنه لم يستثن رفعا دون رفع بل أطلق انتهى كلامه . ورواية عبد الله بن القبطية هذه أخرجه مسلم أيضا وفي لفظ النسائي ( 4 ) قال : " ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس ؟ " الحديث ولقائل أن يقول : إنهما حديثان ( 5 ) لا يفسر أحدهما بالآخر كما جاء في لفظ الحديث الأول : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإذا الناس رافعي أيديهم في الصلاة فقال : " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنه أذناب خيل شمس ؟ أسكنوا في الصلاة " والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له : أسكن في الصلاة إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه أثناء الصلاة وهو حالة الركوع والسجود ونحو ذلك هذا هو الظاهر والراوي روى هذا في وقت كما شاهده وروى الآخر في وقت آخر كما شاهده وليس في ذلك بعد والله أعلم .
- حديث آخر : أخرجه أبو داود ( 6 ) . والترمذي عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال : قال عبد الله بن مسعود : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة انتهى . وفي لفظ : فكان يرفع يديه أول مرة ثم لا يعود قال الترمذي : حديث حسن انتهى . وأخرجه النسائي عن ابن المبارك عن سفيان به قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وعاصم بن كليب أخرج له مسلم وعبد الرحمن بن الأسود أيضا أخرج له مسلم وهو تابعي وثقه ابن معين وعلقمة فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به انتهى . واعترض على هذا الحديث بأمور : - منها ما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك ( 7 ) قال : لم يثبت عندي حديث ابن مسعود : أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام من الركعتين ورواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " وذكره المنذري في " مختصر السنن " ثم قال : وقال غير ابن المبارك : لم يسمع عبد الرحمن من علقمة انتهى .
ومنها تضعيف عاصم بن كليب نقل البيهقي في " سننه " عن أبي عبد الله الحاكم أنه قال : عاصم بن كليب لم يخرج حديثه الصحيح وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى وهذه اللفظة ثم لا يعود غير محفوظة في الخبر انتهى . والجواب : أما الأول : فقال الشيخ في " الإمام " : وعدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين كما قدمناه قال : وقول شيخنا أبي محمد المنذري وقال غيره : لم يسمع عبد الرحمن من علقمة فغير قادح أيضا فإنه عن رجل مجهول وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده ولا ذكره ابن أبي حاتم في " مراسيله " وإنما ذكره في " كتاب الجرح والتعديل " فقال : وعبد الرحمن بن الأسود دخل على عائشة وهو صغير ولم يسمع منها وروى عن أبيه . وعلقمة ولم يقل : إنه مرسل وذكره ابن حبان في " كتاب الثقات " وقال : إنه مات سنة تسع وتسعين وكان سنه سن إبراهيم النخعي فإذا كان سنه سن النخعي فما المانع من سماعه عن علقمة مع الاتفاق على سماع النخعي منه ؟ ومع هذا كله فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في " كتاب المتفق والمفترق - في ترجمة عبد الرحمن هذا " أنه سمع أباه . وعلقمة انتهى . وقال ابن القطان في " كتابه الوهم والإيهام " : ذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال : حديث وكيع لا يصح والذي عندي أنه صحيح وإنما النكر فيه على وكيع زيادة : ثم لا يعود وقالوا : إنه كان يقولها من قبل نفسه وتارة لم يقلها وتارة أتبعها الحديث كأنها من كلام ابن مسعود وكذلك قال الدارقطني : إنه حديث صحيح إلا هذه اللفظة وكذلك قال أحمد بن حنبل . وغيره وقد اعتنى الإمام محمد بن نصر المروزي بتضعيف هذه اللفظة في " كتاب رفع اليدين " انتهى كلامه . قلت : قد تابع وكيعا على هذه اللفظة عبد الله بن المبارك كما رواه النسائي وقد قدمناه وأيضا فغير ابن القطان ينسب الوهم فيها لسفيان الثوري لا لوكيع قال البخاري في " كتابه - في رفع اليدين " : ويروي عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب فذكره بسنده ومتنه قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم : نظرت في " كتاب عبد الله بن إدريس " عن عاصم بن كليب فلم أجد فيه : ثم لم يعد قال البخاري : وهذا أصح لأن الكتاب أثبت عند أهل العلم انتهى . فجعل الوهم فيه من سفيان لأن ابن ادريس خالفه وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ( 8 ) " : سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلّم قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد فقال أبي : هذا خطأ يقال : وهم فيه الثوري فقد رواه جماعة عن عاصم وقالوا كلهم : إن النبي صلى الله عليه وسلّم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلهما بين ركبتيه ولم يقل أحمد ما روى الثوري انتهى . فالبخاري . وأبو حاتم جعلا الوهم فيه من سفيان . وابن القطان وغيره يجعلون الوهم فيه من وكيع وهذا اختلاف يؤدي إلى طرح القولين والرجوع إلى صحة الحديث لوروده عن الثقات وأما الثاني : وهو تضعيف عاصم ( 9 ) فقد قدمنا أنه من رجال الصحيح وأن ابن معين قال فيه : ثقة كما ذكره الشيخ في " الإمام " قال الشيخ : وقول الحاكم : إن حديثه لم يخرج في الصحيح فغير صحيح فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن علي في " الهدى " وحديثه عنه عن علي : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن اجعل خاتمي في هذه . والتي يليها وغير ذلك وأيضا فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل وقد أخرج هو في " المستدرك " عن جماعة لم يخرج لهم في الصحيح وقال : هو على شرط الشيخين وإن أراد بقوله : لم يخرج حديثه في " الصحيح " أي هذا الحديث فليس ذلك بعلة وإلا لفسد عليه مقصوده كله من كتابه " المستدرك " انتهى .
طريق آخر للحديث أخرجه الدارقطني ( 10 ) ثم البيهقي في " سننهما " . وابن عدي في " الكامل " عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم . وأبي بكر . وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة قال الدارقطني : تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفا عن حماد عن إبراهيم وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله من فعله غير مرفوع وهو الصواب وقال البيهقي في " سننه " : وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي سليمان عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلا وهذه الرواية أخرجها البيهقي في " الخلافيات " بسنده عن إبراهيم أن ابن مسعود كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه أول مرة ثم لم يرفع بعد ذلك قال الحاكم : وهذا هو الصحيح ( 11 ) وابراهيم لم ير ابن مسعود والحديث منقطع ومحمد بن جابر تكلم فيه أئمة الحديث وأحسن ما قيل فيه : إنه يسرق الحديث من كلم من يذاكره حتى كثرت المناكير والموضوعات في حديثه قال الشيخ : أما قوله : إنه كان يسرق الحديث من كل من يذاكره فالعلم بهذه الكلية متعذر وأما إن ذلك أحسن ما قيل فيه فأحسن منه قول ابن عدي : كان إسحاق بن أبي إسرائيل يفضل محمد بن جابر على جماعة شيوخ هم أفضل منه وأوثق وقد روى عنه من الكبار : أيوب . وابن عون . وهشام بن حسان . والثوري . وشعبة . ابن عيينة . وغيرهم ولولا أنه في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم وقد خولف في أحاديث ومع ما تكلم فيه فهو ممن يكتب حديثه وممن تكلم فيه البخاري قال فيه : ليس بالقوي وقال ابن ميعن : ضعيف انتهى . ومن الناس القائلين بالرفع من سلك في حديث ابن مسعود هذا مسلك البحث والمناظرة فقال : يجوز أن يكون ابن مسعود نسي الرفع في غير التكبيرة الأولى كما نسي في التطبيق . وغيره واستبعد أصحابنا هذا مثل ابن مسعود واحتجوا بحديث أخرجه الدارقطني في " سننه ( 12 ) " والطحاوي في " شرح الآثار " عن حصين بن عبد الرحمن قال : دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو بن مرة قال : صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم يرفع يديه حين يفتتح وإذا ركع وإذا سجد فقال إبراهيم : ما أرى أباه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ عنه ذلك وعبد الله بن مسعود لم يحفظه إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة انتهى . ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ولفظه : أحفظ وائل ونسي ابن مسعود ؟ ورواه الطحاوي في " شرح الآثار " وزاد فيه : فإن كان رآه مرة يرفع فقد رآه خمسين مرة لا يرفع انتهى . ذكر هذا الكلام كله ابن الجوزي في " التحقيق " قال صاحب " التنقيح ( 13 ) " : قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق هذه علة لا يساوي سماعها لأن رفع اليدين قد صح عن النبي A ثم عن الخلفاء الراشدين ثم الصحابة والتابعين وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب ( 14 ) قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان . ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق ونسي كيف قيام الإثنين خلف الإمام . ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي A صلى الصبح يوم النحر في وقتها ونسي كيفية جمع النبي A بعرفة .
ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود ونسي كيف كان يقرأ النبي A : { وما خلق الذكر والانثى } وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين وقال البخاري في " كتابه - في رفع اليدين " : كلام إبراهيم هذا ظن منه لا يرفع به رواية وائل بل أخبر أنه رأى النبي A يصلي وكذلك رأى أصحابه غير مرة يرفعون أيديهم كما بينه زائدة فقال : حدثنا عاصم ثنا أبي عن وائل بن حجر أنه رأى النبي A يصلي فرفع يديه في الركوع وفي الرفع منه قال : ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت الناس في زمان برد عليهم جل الثياب تحرك أيديهم من تحت الثياب انتهى . وقال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : الأولى أن يؤخذ بقول وائل لأنه صحابي جليل فكيف يرد حديثه بقول رجل ممن هو دونه وخصوصا وقد رواه معه عدد كثير انتهى .
( يتبع ... )