( تابع ... 2 ) : - والمذاهب في كونها من القرآن ثلاثة : طرفان . ووسط فالطرف الأول قول ... .
( 31 ) من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أنه قال : ثلاث كان يفعلهن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا وكان يقف قبل القراءة هنيهة وكان يكبر في كل خفض ورفع ورواه ابن أبي ذئب في " موطئه " كذلك باللفظ المذكور ورواه البخاري في " القراءة خلف الإمام " وأبو داود الطيالسي في " مسنده " وهذا حديث حسن ورواته ثقات وسعيد بن سمعان الأنصاري صدوق وثقه النسائي . وابن حبان ولا التفات إلى قول أبي الفتح الأزدي فيه : ضعيف فإن الأزدي متكلم فيه والنسائي أعلم منه وليس للتسمية في هذا الحديث . ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر وهذا مما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة فإن قيل : قد رواها نعيم المجمر وهو ثقة والزيادة من الثقة مقبولة قلنا : ليس ذلك مجمعا عليه بل فيه خلاف مشهور فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقا ومنهم من لا يقبلها والصحيح التفصيل وهو أنها تقبل في موضع دون موضع فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظا ثبتا والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله : من المسلمين في صدقة الفطر واحتج بها أكثر العلماء وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها ومن حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط بل كل زيادة لها حكم يخصها ففي موضع يجزم بصحتها كزيادة مالك وفي موضع يغلب على الظن صحتها كزيادة سعد بن طارق في حديث : " جعلت الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا " وكزيادة سليمان التيمي في حديث أبي موسى : " وإذا قرأ فأنصتوا " وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة كزيادة معمر ومن وافقه قوله : " وإن كان مائعا فلا تقربوه " وكزيادة عبد الله بن زياد - ذكر البسملة - في حديث " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " وإن كان معمر ثقة . وعبد الله بن زياد ضعيفا فإن الثقة قد يغلط وفي موضع يغلب على الظن خطأها كزيادة معمر في حديث ماعز " الصلاة عليه " رواها البخاري في " صحيحه " وسئل هل رواها غير معمر ؟ فقال : لا وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر وقال فيه : ولم يصل عليه فقد اختلف على معمر في ذلك والراوي عن معمر هو عبد الرزاق وقد اختلف عليه أيضا والصواب أنه قال : ولم يصل عليه وفي موضع يتوقف في الزيادة كما في أحاديث كثيرة وزياد نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه بل يغلب على الظن ضعفه وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها لمن قال بالجهر لأنه قال : فقرأ أو فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم " وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها فإن قيل : لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة ثم جهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة الفاتحة والبسملة تناولا واحدا ولقال : فأسر بالبسملة ثم جهر بالفاتحة والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه وتأمين المأمومين قلنا : ليس للجهر فيه تصريح ولا ظاهر يوجب الحجة ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإسرار ولو أخذ الجهر من هذا الاطلاق لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن فإنه قال : فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم قرأ أم القرآن والعطف يقتضي المغايرة . الوجه الثاني : أن قوله : فقرأ أو قال ليس بصريح أنه سمع منه إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيما بأنه قرأها سرا ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافته لقربه منه كما ورى عنه من أنواع الاستفتاح وألفاظ الذكر في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده فلمسلم في " صحيحه " .
( 32 ) عن علي بن أبي طالب أنه عليه السلام كان يقول إذا قام في الصلاة : وجهت وجهي إلى آخرها وإذا ركع قال : اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ويقول في سجوده نحو ذلك وإذا تشهد قال : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت إلى آخره ولم يكن سماع الصحابة ذلك منه دليلا على الجهر وكان يسمعنا الآية أحيانا وأيضا فلو ساغ التمسك على الجهر بمجرد قوله : فقرأ لساغ لمن لا يرى قراءتها بالكلية الاعتماد على ما أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 33 ) عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة " بالحمد لله رب العالمين " ولم يسكت قال الطحاوي : في هذا الحديث دليل على أن " بسم الله الرحمن الرحيم " ليست من فاتحة الكتاب ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأها في الثانية كما قرأ فاتحة الكتاب والذي استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى لأنها عندهم من فاتحة الكتاب استحبوا ذلك أيضا في الثانية فلما انتفى بهذا أن يكون قرأها في الثانية انتفى أن يكون قرأها في الأولى وعارض هذا حديث نعيم المجمر بل هو أولى لاستقامة طريقه وفضل صحته على حديث نعيم فإن قيل : إنما أراد أبو هريرة الاستفتاح بالسورة لا الآية قلنا : هذا فيه صرف اللفظ عن حقيقته وظاهره وذلك لا يسوغ إلا لموجب وأيضا فلو أراد اسم السورة لقال : بفاتحة الكتان . أو بسورة الحمد أو بأم القرآن هذا هو المعروف في تسميتها عندهم كما في البخاري عن أبي هريرة ( 34 ) مرفوعا : " أم القرآن هي السبع المثاني " وفي " الصحيحين " عن عبادة بن الصامت ( 35 ) مرفوعا : " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " وفي رواية : " بفاتحة الكتاب " وأما تسميتها بجملة " الحمد لله رب العالمين " . فلا يعرف ذلك عندهم فدل على أنه أراد استفتاحه بهذه الآية دون البسملة وهذا الحديث إسناده أصرح دلالة من حديث نعيم والله أعلم .
الوجه الثالث : أن قوله : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما أراد به أصل الصلاة ومقاديرها وهيئتها وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه بل يكفي في غالب الأفعال وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة وكان مقصوده الرد على من تركه وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر فلينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره ومما يلزمهم على القول بالتشبيه عن كل وجه ما في " الصحيحين " .
( 36 ) عن ثابت عن أنس قال : إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل : فد نسي وإذا رفع من السجود مكث حتى يقول القائل : قد نسي فهذا أنس قد أخبر بشبه صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلّم فكان يطيل ركعتي الاعتدال والفصل إلى غاية يظن به النسيان ومع ذلك فالشافعية يكرهون إطالتهما وعندهم وجهان في بطلان الصلاة بها فهلا كان حديث أنس هذا دليلا على وجوب إطالتهما مع صحته وموافقته للأحاديث الصحيحة كما كان حديث أبي هريرة دليلا على وجوب قراءة البسملة والجهر بها مع علة مخالفته للأحاديث الصحيحة وأيضا فيلزمهم .
( 37 ) أن يقولوا بالجهر بالتعوذ لأن الشافعي روى : أخبرنا ابن محمد الأسلمي عن ربيعة بن عثمان عن صالح بن أبي صالح .
( 38 ) أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعا صوته في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن : ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم فهلا أخذوا بهذا كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في الصحيح عنه .
( 39 ) فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة وهو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلّم .
( 40 ) قال : يقول الله تعالى : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي . ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : { الحمد لله رب العالمين } قال الله : حمدني عبدي وإذا قال : { الرحمن الرحيم } قال الله : أثنى علي عبدي وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال : مجدني عبدي وإذا قال : { إياك نعبد واياك نستعين } قال الله : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال : { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " انتهى . أخرجه مسلم في " صحيحه " عن سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره وعن مالك بن أنس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب عن أبي هريرة وعن ابن جريج عن العلاء بن عبد الرحمن به وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة وإلا لابتدأ بها لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة حتى أنه لم يخل منهما بحرف والحاجة إلى قراءة البسملة أمس ليرتفع الاشكال قال ابن عبد البر : حديث العلاء هذا قاطع تعلق المتنازعين وهو نص لا يحتمل التأويل ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بأمرين : أحدهما : قال : لا يعبأ بكون هذا الحديث في مسلم فإن العلاء بن عبد الرحمن تكلم فيه ابن معين فقال : الناس يتقون حديثه ليس حديثه بحجة مضطرب الحديث ليس بذاك هو ضعيف روى عنه جميع هذه الألفاظ وقال ابن عدي : ليس بالقوي وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به الثاني : قال : وعلى تقدير صحته فقد جاء إلى بعض الروايات عنه ذكر التسمية كما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج غير تام " فقلت : يا أبا هريرة إني ربما كنت مع الإمام .
قال : فغمز ذراعي فقال : اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " قال الله : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي . ونصفها له يقول عبدي إذا افتتح الصلاة : { بسم الله الرحمن الرحيم } فيذكرني عبدي ثم يقول : { الحمد لله رب العالمين } فأقول : { حمدني عبدي } " إلى أخره وهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ولكنها مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية وهذا القائل حمله الجهل وفرط التعصب على أن ترك الحديث الصحيح وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه وقال : لا يعبأ بكونه في مسلم مع أنه قد رواه عن العلاء الأئمة الثقات الأثبات كمالك . وسفيان بن عيينة . وابن جريج . وشعبة . وعبد العزيز الدراوردي . وإسماعيل بن جعفر . ومحمد بن إسحاق . والوليد بن كثير . وغيرهم . والعلاء نفسه ثقة صدوق كما سيأتي ثناء الأئمة عليه وهذه الرواية انفرد بها عنه ابن سمعان وهو كذاب ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة ولا في " المصنفات المشهورة . ولا المسانيد المعروفة " وإنما رواه الدارقطني في " سننه " التي يروي فيها غرائب الحديث وقال عقيبه : وعبد الله بن زياد بن سمعان متروك الحديث وذكره في " علله " وأطال فيه الكلام وملخصه : أنه رواه عن العلاء جماعة أثبات يزيدون على العشرة ولم يذكر أحد منهم فيه البسملة وزادها ابن سمعان وهو ضعيف الحديث وحسبك بالأول قد أودعه مسلم في " صحيحه " والاختلاف الذي فيه ليس بعلة فإن بعضهم يقول : عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ومنهم من يقول : عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة فإن العلاء سمعه من أبيه ومن أبي السائب ولهذا يجمعهما تارة ويفرد أباه تارة ويفرد أبا السائب تارة وكل ذلك عند مسلم وزيادة البسملة في حديث العلاء باطلة قطعا زادها ابن سمعان خطأ أو عمدا فإنه متهم بالكذب مجمع على ضعفه قال عمر بن عبد الواحد : سألت مالكا عنه فقال : كان كذابا وقال يحيى بن بكير : قال هشام بن عروة فيه : لقد كذب علي وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها وعن أحمد بن حنبل : متروك الحديث وسئل يحيى بن معين عنه فقال : كان كذابا وقيل لابن إسحاق : إن ابن سمعان يقول : سمعت مجاهدا فقال : لا إله إلا الله أنا والله أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه وقال ابن حبان : كان يروي عمن لم يره ويحدث بما لم يسمع وقال أبو داود : متروك الحديث كان من الكذابين وقال النسائي : متروك وقال البخاري : سكتوا عنه وقال أبو زرعة : لا شيء وأيضا انتهى . فلا ريب أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من أئمة الصحابة كانوا أعلم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأشد تحريا لها من أبي هريرة وقد كان أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وابن مسعود . وغيرهم من أئمة اصحابة لا يرون الجهر بالبسملة في الصلاة قال الترمذي : في " جامعه " بعد ذكره ترك الجهر : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في " صحيحه " بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني ؟ وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجبا لرده ؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما فعلنا نحن .
- الأحاديث التي استدل به الخطيب : فمنها حديث أخرجه عن أبي أويس واسمه " عبد الله بن أويس " قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان إذا أم الناس جهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " وهذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " .
( 41 ) . وابن عدي في " الكامل " فقالا فيه : قرأ .
( يتبع ... )