حديث آخر رواه الترمذي ( 21 ) . والنسائي . وابن ماجه من حديث أبي نعامة الحنفي واسمه " قيس بن عباية " ثنا ابن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقول : " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال : أي بني إياك والحدث قال : ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام " يعني منه " قال : وصليت مع النبي صلى الله عليه وسلّم . ومع أبي بكر . ومع عمر . ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها أنت إذا صليت فقل : الحمد لله رب العالمين انتهى . قال الترمذي : حديث حسن . والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم : منهم أبو بكر . وعمر . وعثمان . وعلي . وغيرهم . ومن بعدهم من التابعين وبه يقول سفيان الثوري . وابن المبارك وأحمد . وإسحاق لا يرون الجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " في الصلاة ويقولها في نفسه انتهى . قال النووي في " الخلاصة " : وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة . وابن عبد البر . والخطيب وقالوا : إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل وهو مجهول انتهى . ورواه أحمد في " مسنده ( 22 ) " من حديث أبي نعامة عن بني عبد الله بن مغفل قالوا : كان أبونا إذا سمع أحدا منا يقول : " بسم الله الرحمن الرحيم " " يقول : أي بني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلّم . وأبي بكر . وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقول : " بسم الله الرحمن الرحيم " انتهى . ورواه الطبراني في " معجمه " عن عبد الله بن بريدة عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه مثله ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه قال : صليت خلف إمام فجهر " بسم الله الرحمن الرحيم " فلما فرغ من صلاته قلت : ما هذا ؟ غيب عنا هذه التي أراك تجهر بها ؟ فإني قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلّم . ومع أبي بكر . وعمر فلم يجهروا بها انتهى . فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه وهم : أبو نعامة الحنفي قيس بن عباية وقد وثقه ابن معين . وغيره وقال ابن عبد البر : هو ثقة عند جميعهم وقال الخطيب : لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته . وعبد الله بن بريدة وهو أشهر من أن يثنى عليه . وأبو سفيان السعدي وهو إن تكلم فيه ولكنه يعتبر به ما تابعه عليه غيره من الثقات وهو الذي سمى ( 23 ) " ابن عبد الله بن مغفل " يزيد كما هو عند الطبراني فقط فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه وقد تقدم في " مسند الإمام أحمد " عن أبي نعامة عن بني عبد الله بن مغفل وبنوه الذي يروي عنهم : يزيد . وزياد . ومحمد . والنسائي . وابن حبان وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية ولم يرو واحد منهم حديثا منكرا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات فأما يزيد فهو الذي سمى في هذا الحديث وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : " ما من إمام يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وزياد أيضا روى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعا : " لا تحذفوا فإنه لا يصاد له صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين " انتهى .
وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وقد حسنه الترمذي والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث إذ قال بعد أن رواه في " كتاب المعرفة " من حديث أبي نعامة بسنده المتقدم ومتن السنن : هذا حديث تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية وأبو نعامة . وابن عبد الله بن مغفل فلم يحتج بهما صاحبا الصحيح فقوله : تفرد به أبو نعامة ليس بصحيح فقد تابعه عبد الله بن بريدة . وأبو سفيان كما قدمناه وقوله : وأبو نعامة . وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح ليس هذا لازما في صحة الإسناد ولئن سلمنا فقد قلنا : إنه حسن والحسن يحتج به وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثا عن نبيهم صلى الله عليه وسلّم يتوارثه خلفهم عن سلفهم وهذا وحده كاف في المسألة لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحا ومساءا فلو كان عليه السلام يجهر بها دائما لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه ولكان معلوما بالاضطرار ولما قال أنس : لم يجهر بها عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضا وسماه حدثا ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي صلى الله عليه وسلّم ومقامه على ترك الجهر يتوارثه آخرهم عن أولهم وذلك جار عندهم مجرى الصاع والمد بل أبلغ من ذلك لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة وكم من إنسان لا يحتاج إلى صاع ولا مد ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين . وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفعله .
- حديث آخر أخرجه مسلم في " صحيحه ( 24 ) " عن بدليل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة " بالحمد لله رب العالمين " انتهى . وهذا ظاهر في عدم الجهر بالبسملة وتأويله على إرادة اسم السورة يتوقف على أن السورة كانت تسمى عندهم بهذه الجملة فلا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه إلا بدليل واعترض على هذا الحديث بأمرين : أحدهما : أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة . والثاني : أنه روي عن عائشة أنه عليه السلام كان يجهر قلنا : يكفينا أنه حديث أودعه مسلم " صحيحه " وأبو الجوزاء اسمه " أوس بن عبد الله الربعي " ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة وقد احتج به الجماعة وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم وما روي عن عائشة من الجهر فكذب بلا شك فيه الحكم بن عبد الله بن سعد وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل .
- حديث آخر مما يدل على أن البسملة ليست آية من السورة فلا يجهر بها ما رواه البخاري في " صحيحه ( 25 ) " من حديث أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي فقال : " ألم يقل الله D : { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } ؟ ثم قال : لأعلمنك سورة في القرآن قلت : ما هي ؟ قال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " فأخبر أنها السبع المثاني ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانيا لأنها سبع آيات بدون البسملة ومن جعل البسملة منها إما أن يقول : هي بعض آية أو يجعل قوله : { صراط الذين أنعمت عليهم } إلى آخرها آية واحدة .
- حديث آخر ومما يدل أيضا على أن البسملة ليست من السورة ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة ( 26 ) عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له وهي { تبارك الذي بيده الملك } انتهى . قال الترمذي : حديث حسن ورواه أحمد في " مسنده " . وابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مسدركه " وصححه وعباس الجشمي يقال : إنه عباس بن عبد الله ذكره ابن حبان في " الثقات " ولم يتكلم فيه أحد فيما علمنا ووجه الحجة منه أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة بلا خلاف بين العادين وأيضا فافتتاحه بقوله : { تبارك الذي بيده الملك } دليل على أن البسملة ليست منها .
- حديث آخر قال الإمام أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن " ( 27 ) : أخبرنا أبو الحسن الكرخي ثنا الحضرمي ثنا محمد بن العلاء ثنا معاوية بن هشام عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله قال : ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في صلاة مكتوبة " ببسم الله الرحمن الرحيم " . ولا أبو بكر . ولا عمر انتهى . وهذا حديث لا تقوم به حجة لكنه شاهد لغيره من الأحاديث فإن محمد بن جابر تكلم فيه غير واحد من الأئمة وإبراهيم لم يلق عبد الله بن مسعود فهو ضعيف ومنقطع والحضرمي : هو محمد بن عبد الله الحافظ المعروف " بمطين " وشيخه ابن العلاء : هو أبو كريب الحافظ روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة والله أعلم .
ملخص ما ذكره ابن عبد الهادي في " الجهر بالبسملة " مستدركا على الخطيب قال : وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف جماعة : منهم ابن خزيمة . وابن حبان . والدارقطني . والبيهقي . وابن عبد البر . وآخرون وللقائلين بالجهر أحاديث : أجودها حديث نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم قرأ بأم القرآن حتى قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين وفي آخره فلما سلم قال : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلّم رواه النسائي في " سننه ( 28 ) فقال : باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم ثنا شعيب ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر فذكره ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " . وابن حبان في " صحيحه " . والحاكم في " مستدركه " وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه والدارقطني في " سننه " وقال : حديث صحيح ورواته كلهم ثقات . والبيهقي في " سننه " وقال : إسناده صحيح وله شواهد وقال في " الخلافيات " : رواته كلهم ثقات مجمع على عدالتهم محتج بهم في " الصحيح " انتهى . والجواب عنه من وجوه : أحدها : أنه حديث معلول فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة وقد أعرض عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة صاحبا الصحيح فرواه البخاري ( 29 ) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول : سمع الله لمن حمده ثم يقول : ربنا لك الحمد ثم يقول : الله أكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين وذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ثم يقول حين ينصرف : والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله A أن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا ورواه مسلم ( 30 ) بنحو ذلك هذا هو الصحيح الثابت عن أبي هريرة قال ابن عبد البر : وكأنه كان ينكر على من ترك التكبير في رفعه وخفضه قال : ويدل على أنهم كانوا يفعلون ذلك ما رواه النسائي .
( يتبع ... )