- الحديث الخامس : روي أنه عليه السلام نهى عن المزابنة ورخص في العرايا وهو أن تباع بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق .
قلت : النهي عن المزابنة تقدم وأما العرايا فأخرجا في " الصحيحين " ( 1 ) عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود قال : دون خمسة أو في خمسة انتهى . وأخرج مسلم عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى عن بيع التمر بالتمر وقال : ذلك الربا تلك المزابنة إلا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها كيلا انتهى . وفي لفظ لمسلم : ذلك الزبن عوض : الربا والحديث في " البخاري " ليس فيه : تلك المزابنة ولا الزبن وأخرجا في " الصحيحين " عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها وفي لفظ رخص في العرية أن يؤخذ بمثل خرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا انتهى . قال صاحب " التنقيح " : ووافقنا الشافعي في صحة بيع العرايا إلا أنه خالفنا في إباحتها من غير ضرورة قال الإمام موفق الدين في " الكافي " : روى محمود بن لبيد قال : قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم ( 2 ) هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرية بخرصها من التمر يأكلونه رطبا قال : متفق عليه ووهم في ذلك فإن هذا ليس في " الصحيحين " ولا في " السنن " بل ولا في شيء من الكتب المشهورة ولم أجد له سندا بعد الفحص البالغ ولكن الشافعي ذكره في " كتابه - في باب العرايا " بغير إسناد انتهى كلامه .
_________ .
( 1 ) عند مسلم في " البيوع - باب العرايا " ص 9 - ج 2 ، وفيه يشك داود قال : خمسة أو دون خمسة ؟ قال : نعم وعند البخاري في " المساقاة - باب الرجل يكون له ممر أو شرب في الحائط " ص 320 - ج 1 ، وحديث زيد بن ثابت عند البخاري في " باب تفسير العرايا " ص 292 - ج 1 ، وعند مسلم : ص 8 - ج 2 .
( 2 ) قال ابن الهمام في " الفتح " ص 196 - ج 5 ، قال الطحاوي : جاءت هذه الآثار وتواترت في الرخصة في بيع العرايا فقبلها أهل العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها ولكنهم تنازعوا في تأويلها فقال قوم : العرايا أن يكون له النخلة أو النخلتان في وسط النخل الكثير لرجل آخر قالوا : وكان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار فخرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة أو النخلتين فيضر ذلك بصاحب النخل الكثير فرخص صلى الله عليه وسلّم لصاحب النخل الكثير أن يعطيه خرص ماله من ذلك تمرا لينصرف هو وأهله عنه وروى هذا عن مالك قال الطحاوي : وكان أبو حنيفة يقول : فيما سمعت أحمد بن أبي عمران يذكر أنه سمع من محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال : معنى ذلك عندنا أن يعري الرجل الرجل نخلة من نخله فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له فرخص له أن يحبس ذلك ويعطيه مكانه بخرصه تمرا قال الطحاوي : وهذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك لأن العرية إنما هي العطية ألا نرى إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول : .
فليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح .
أي إنهم كانوا يعرون في السنين الجوائح أي يهبون ولو كانت كما قال : ما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يعطون كما يعطون انتهى