في هذه الأدعية المفتتحة بالنداء بعنوان الربوبية للإيذان بإستقلال المطالب وعلو شأنها وقد أشرنا إلى سر تكرار النداء بذلك الأسم وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام قال مرة : يارب فأجابه الله تعالى لبيك ياموسى فعجب موسى عليه السلام من ذلك فقال : يارب أها لي خاصة فقال : لا ولكن لكل من يدعوني بالربوبية وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه من أحزنه أمر فقال : ربنا ربنا خمس مرات نجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ماأرادوقرأ هذه الآية .
وأخرج إبن أبي حاتم عن عطاء قال : ما من عبد يقول يارب ثلاث مرات إلا نظر الله تعالى إليه فذكر للحسن فقال : أما تقرا القرآن ربنا إننا سمعنا مناديا إلخ فإن قلت إن وعد الله تعالى واجب الوقوع لإستحالة الخلف في وعده سبحانه إجماعا فكيف طلب القوم ما هو واقع لا محالة قلت أجيب بأن وعد الله تعالى لهم ليس بحسب ذواتهم بل بحسب أعمالهم فالمقصود من الدعاء التوفيق للأعمال التي يصيرون بها أهلا لحصول الموعود أو المقصود مجرد الإستكانة والتذلل لله تعالى بدليل قولهم : إنك لا تخلف الميعاد وبهذا يلتئم التذييل أتم إلتئام وأختار هذا الجبائي وعلي بن عيسى أو الدعاء تعبدي لقوله سبحانه : أدعوني فلا يضر كونه متعلقا بواجب الوقوع وما يستحيل خلافه ومن ذلك رب أحكم بالحق وقيل : إن الموعود به هو النصر لا غير والقوم قد علموا ذلك لكنهم لم يوقت لهم في الوعد ليعلموه فرغبوا إلى الله تعالى في تعجيل ذلك لما فيه من السرور بالظفر فالموعود غير مسئول والمسئول غير موعود فلا إشكالوإلى هذا ذهب الطبريوقال : إن الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأستبطأوا النصر على أعدائهم بعد أن وعدوا به وقالوا : لا صبر لنا على أناتك وحلمك وقوى بما بعد من الآيات وكلام أبي القاسم البلخي يشير إلى هذا أيضا وفيه كلام يعلم مما قدمنا وقيل : ليس هناك دعاء حقيقة بل الكلام مخرج المسألةوالمراد منه الخبرولا يخفى أنه بمعزل عن التحقيق ويزيده وهنا على وهن قوله سبحانه فأستجاب لهم ربهم الإستجابة الإجابة ونقل عن الفراء أن الإجابة تطلق على الجواب ولو بالرد والإستجابة الجواب بحصول المراد لأن زيادة السين تدل عليه إذ هو لطلب الجواب والمطلوب ما يوافق المراد لا ما يخالفه وتتعدى باللام وهو الشائع وقد تتعدى بنفسها كما في قوله : وداع دعا يامن يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب وهذا كما قال الشهاب وغيره : في التعدية إلى الداعي وأما إلى الدعاء فشائع بدون اللام مثل إستجاب الله تعالى دعاءه ولهذا قيل : إن هذا البيت على حذف مضاف أي لم يستحب دعاءه والفاء للعطف وما بعده معطوف إما على الإستئناف المقدر في قوله سبحانه : ربنا ما خلقت هذا باطلا ولا ضير في إختلافهما صيغة لما أن صيغة المستقبل هناك للدلالة على الإستمرار المناسب لمقام الدعاء وصيغة الماضي هنا للإيذان بتحقيق الإستجابة وتقررها ويجوز أن يكون معطوفا على مقدر ينساق إليه الذهن أي دعوا بهذه الأدعية فأستجاب لهم إلخ وإن قدر ذلك القول المقدر حالا فهو عطف على يتفكرون بإعتبار مقارنته لما وقع حالا من فاعله أعني قوله سبحانه : ربنا إلخ فإن الإستجابة مترتبة على دعواتهم لا على مجرد تفكرهم وحيث كانت من أوصافهم الجميلة المترتبة على أعمالهم بالآخرة أستحقت الإنتظام في سلك محاسنهم المعدودة في أثناء مدحهم