وأما على كون الموصول نعتا لأولي الألباب فلا مساغ لهذا العطف لما عرفت سابقا وقد أوضح ذلك مولانا شيخ الإسلام والمشهور العطف على المنساق إلى الذهن وهو المنساق إليه الذهن وفي ذكر الرب هنا مضافا مالا يخفى من اللطف وأخرج الترمذي والحاكم وخلق كثير عن أم سلمة قال : قلت : يارسول الله لا أسمع الله تعالى ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى فأستجاب لهم إلى آخر الآية فقالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا ولعل المراد أنها نزلت تتمة لما قبلها .
وأخرج إبن مردويه عنها أنها قالت : آخر آية نزلت هذه الآية فأستجاب لهم ربهم .
أني لا أضيع عمل عامل منكم أي باني وهكذا قرأ أبي وأختلف في تخريجه فخرجه العلامة شيخ الإسلام على أن الباء للسببية كأنه قيل : فأستجاب لهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم أي سنته السنية مستمرة على ذلك وجعل التكلم في أني والخطاب في منكم من باب الإلتفات والنكتة الخاصة فيه إظهار كمال الإعتناء بشأن الإستجابة وتشريف الداعين بشرف الخطاب والتعرض لبيان السبب لتأكيد الإستجابة والإشعار بأن مدارها أعمالهم التي قدموها على الدعاء لا مجرد الدعاء .
وقال بعض المحققين : إنها صلة لمحذوف وقع حالا إما من فاعل إستجاب أو من الضمير المجرور في لهم والتقدير مخاطبا لهم بأنى أو مخاطبين بأنى إلخ وقيل : إنها متعلقة بإستجاب لأن فيها معنى القولوهو مذهب الكوفيينويؤيد القولين أنه قريء إني بكسر الهمزة وفيها إرادة القول وموقعه الحال أي قائلا إني أو مقولا لهم إني إلخ وتوافق القراءتين خير من تخالفهما وهذا التوافق ظاهر على ماذهب إليه البعض وصاحب القيل وإن أختلف فيهما شدة وضعفا وأما على ما ذكره العلامة فالظهور لا يكاد يظهر على أنه في نفسه غير ظاهر كما لا يخفى وقريء لا أضيع بالتشديد وفي التعرض لوعد العاملين على العموم مع الرمز إلى وعيد المعرضين غاية اللطف بحال هؤلاء الداعين لا سيما وقد عبر هناك عن ترك الإثابة بالإضاعة مع أنه ليس بإضاعة حقيقة إذ الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها إضاعتها ولكن عبر بذلك تأكيدا لأمر الإثابة حتى كأنها واجبة عليه تعالىكذا قيلوالمشهور أن الإضاعة في الأصل الإهلاك ومثلها التضييع ويقال : ضاع يضيع ضيعة وضياعا بالفتح إذا هلك وأستعملت هنا بمعنى الإبطال أي لا أبطل عمل عامل كائن منكم من ذكر أو أنثى بيان لعامل وتأكيد لعمومه إما على معنى شخص عامل أو على التغليب .
وجوز أن يكون بدلا من منكم بدل الشيء من الشيء إذ هما لعين واحدة وأن يكون حالا من الضمير المستكن فيه وقوله تعالى : بعضكم من بعض مبتدأ وخبر و من إما إبتدائية بتقدير مضاف أي من أصل بعض أو بدونه لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر وإما إتصالية والإتصال إما بحسب إتحاد الأصل أو المراد به الإتصال في الإختلاط أو التعاون أو الإتحاد في الدين حتى كأن كل واحد من الآخر لما بينهما من أخوة الإسلام والجملة مستأنفة معترضة مبينة لسبب إنتظام النساء في سلك الدخول مع الرجال في الوعد .
وجوز أن تكون حالا أو صفة وقوله تعالى : فالذين هاجروا ضرب تفصيل لما أجمل في العمل وتعداد لبعض أحاسن أفراده مع المدح والتعظيم