فصحاء العرب و تكرير النداء لما مر غير مرة وجمع الرسل مع أن المنادي هو واحد الآحاد وحده لما أن دعوته لا سيما على منبر التوحيد وما أجمع عليه الكل من الشرائع منطوية على دعوة الكل فتصديقه تصديق لهم عليهم السلام وكذا الموعود على لسانه E من الثواب موعود على لسانهم وإيثار الجمع على الأول لإظهار الرغبة في تيار فضل الله تعالى إذ من المعلوم أن الثواب على تصديق رسل أعظم من الثواب على تصديق رسول واحد وعلى الثاني لإظهار كمال الثقة بإنجاز الموعود بناءا على كثرة الشهود وتأخير هذا الدعاء بناءا على ما ذكرنا في تفسير الموصول ويكاد يكون مقطوعا به ظاهر لأن الأمر أخروي .
وأما إذا فسر بالنصر على الأعداءكما قيلفتأخيره عما قبله إما لأنه من باب التحلية والآخر من باب التخلية والتحلية متأخرة عن التخلية وإما لأن الأول مما يترتب على تحقه النجاة في العقبى وعلى عدمه الهلاك فيها والثاني ليس كذلككما لا يخفىفيكون دونه فلهذا أخر عنه وأيد كون المراد النصر لا الثواب الأخروي تعقيب ذلك بقوله تعالى : ولا تخزنا يوم القيامة لأن طلب الثواب يغني عن هذا الدعاء لأن الثواب متى حصل كان الخزي عنهم بمراحل وهذا بخلاف ما إذا كان المراد من الأول الدعاء بالنصر في الدنيا فإن عدم الإغناء عليه ظاهر بل في الجمع بين الدعاءين حينئذ لطافة إذ مال الأول لا تخزنا في الدنيا بغلبة العدو علينا فكأنهم قالوا : لا تخزنا في الدنيا ولا تخزنا في الآخرة وغايروا في التعبير فعبروا في طلب كل من الأمرين بعبارة للإختلاف بين المطلوبين أنفسهما وأجيب بأن فائدة التعقيب على ذلك التقدير لإشارة إلى أنهم طلبوا ثوابا كاملا لم يتقدمه خزي ووقوع في بلاء وكأنهم لما طلبوا ما هو المتمني الأعظم وغاية ما يرجوه الراجون في ذلك اليوم الأيوم وهو الثواب ألتفتوا إلى طلب ما يعظم به أمره ويرتفع به في ذلك لموقف قدره وهو ترك العذاب بالمرة وفي الجمع بين الأمرين على هذا من اللطف ما لا يخفى وأيضا يحتمل أن يقال : إنهم طلبوا الثواب أولا بإعتبار أنه يندفع به العذاب الجسماني ثم طلبوا دفع العذاب الروحاني بناءا على أن الخزي الإهانة والتخجيل فيكون في الكلام ترق من الأدنى إلى الأعلى كأنهم قالوا : ربنا أدفع عنا العذاب الجسماني وأدفع عنا ما هو أشد منه وهو العذاب الروحاني وإن أنت أبيت هذا وذاك وأدعيت التلازم بين الثواب وترك الخزي فلنا أن نقول : إن القوم لمزيد حرصهم وفرط رغبتهم في النجاة في ذلك اليوم الذي تظهر فيه الأهوال وتشيب فيه الأطفال لم يكتفوا بأحد الدعاءين وإن أستلزم الآخر بل جمعوا بينهما ليكون ذلك من الإلحاحوالله تعالى يحب الملحين في الدعاءفهوأقرب إلى الإجابة وقدموا الأول لأنه أوفق بما قبله صيغة ومن الناس من يؤل هذا الدعاء بأنه طلب العصمة عما يقتضي الإخزاء وجعل ختم الأدعية ليكون ختامها مسكا لأن المطلوب فيه أمر عظيم والظرف متعلق بما عنده معنى ولفظا ويجب ذلك قطعا إن كان الكلام مؤلا أو كان الموصول عبارة عن النصر ويترجحبل يكاد يجب أيضاإذا كان الموصول عبارة عن الثواب وإحتمال أنه مما تنازع فيه آتنا ولا تخزنا على ذلك التقدير هو كما ترى إنك لا تخلف الميعاد 491 تذييل لتحقيق ما نظموا في سلك الدعاء وقيل : متعلق بما قبل الأخير اللازم له وإليه يشير كلام الأجهوري و الميعاد مصدر ميمي بمعنى الوعد وقيده الكثير هنا بالإثابة والإجابة وهو الظاهر وأما تفسيره بالبعث بعد الموتكما روى عن إبن عباسفصحيح لأنه ميعاد الناس للجزاء وقد يرجع إلى الأول وترك العطف