في أماليه : وقد يتوهم أن السماع متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والإستعمال أما المعنى فلتوقفه على مسموع وأما الإستعمال فلقولهم : سمعت زيدا يقول ذلك وسمعته قائلا وقوله تعالى : هل يسمعونكم إذ تدعون ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد فكذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم الماضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعده حال تبينه ويقدر في يسمعونكم إذ تدعون يسمعون أصواتكم إنتهى والزمخشري جعل المسموع صفة بعد النكرة وحالا بعد المعرفة وهو الظاهر وأدعى بعض المحققين أن الأوفق بالمعنى فيما جعله حالا أو وصفا أن يحمل بدلا بتأويل الفعل بالمصدر على ما يراه بعض النحاة لكنه قليل في الإستعمال فلذا أوتثرت الوصفية أو الحالية .
وزعم بعضهم أن السماع إذا وقع على غير الصوت فلا بد أن يذكر بعده فعل مضارع يدل على الصوت ولا يجوز غيرهوهو غير صحيحلوقوع الظرف وأسم الفاعل كما سمعته وفي تعليق السماع بالذات مبالغة في تحقيقه والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم وفي إلاق المنادي أولا حيث قال سبحانه : مناديا ولم يذكر ما دعى له ثم قوله عز شأنه بعد : ينادي للإيمان مالا يخفى من التعظيم لشأن المنادي والمنادي له ولو قيل من أول الأمر مناديا للإيمان لم يكن بهذه المثابة وحذف المفعول الصريح ليناديإيذانا بالعموم أي ينادي كل واحد أن آمنوا بربكم أي أن آمنوا به على أن أن تفسيرية أو بأن آمنواعلى أنها مصدرية وعلى الأول فآمنوا تفسير لينادي لأن نداءه عين قوله : آمنوا والتقدير ينادي للإيمان أي يقول : آمنوا وليس تفسيرا للإيمان كما توهم وعلى الثاني يكونبأن آمنوامتعلقا ب ينادي لأنه المنادى به وليس بدلا من الإيمانكما زعمه البعضومن المحققين من أقتصر على إحتمال المصدرية لما أن كثيرا من النحاة يأبى التفسيرية لما فيها من التكلف ومن أختارها قال : إن المصدرية تستدعي التأويل بالمصدر وهو مفوت لمعنى الطلب المقصود من الكلام .
وأجيب بأنه يقدر الطلب في التاويل إذا كانت داخلة على الأمر وكذا يقدر ما يناسب الماضي والمستقبل ذا كانت داخلة عليهما ولا ينبغي أن يجعل الحاصل من الكل بمجرد معنى المصدر لئلا يفوت المقصود من الأمر وأخويه وفي التعرض لعنوان الربوبية إشارة إلى بعض الأدلة عليه سبحانه وتعالى ورمز إلى نعمته جل وعلا على المخاطبين ليذكروها فيسارعوا إلى إمتثال الأمر وفي إطلاق الإيمان ثم تققيده تفخيم لشأنه فآمنا عطف على سمعنا والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة والمعنى فآمنا بربنا لما دعينا إلى ذلك قال أبو منصور : فيه دليل على بطلان الإستثناء في الإيمان ولا يخفى بعده ربنا تكريركما قيلللتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للإعتراف بربوبيته تعالى مع الإيمان به فأغفر لنا مرتب على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته كما تدل عليه الفاء أي فأستر لنا ذنوبنا أي كبائرنا وكفر عنا سيئاتنا أي صغائرنا وقيل : المراد من الذنوب ما تقدم من المعاصي ومن السيئات ما تأخر منها وقيل : الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية والثاني ما أتى به من الجهل بذلك والأول هو التفسير المأثور عن إبن عباس .
وأيد بأنه المناسب للغة لأن الذنب مأخوذ من الذنب بمعنى الذيل فأستعمل فيما تستوخم عاقبته وهو الكبيرة لما يعقبها من الإثم العظيم ولذلك تسمى تبعة إعتبارا بما يتبعها من العقاب كما صرح به الراغب وأما السيئة فمن السوء وهو المستقبح ولذلك تقابل بالحسنة فتكون أخف وتأييده بأن الغفران مختص بفعل الله تعالى