وأنت تعلم أن القول بإيداع القوى في الفلكيات بل وفي جميع الأسباب مع القول بأنها مؤثرة بإذن الله تعالى مما لا بأس به بل هو المذهب المنصور الذي درج عليه سلف الأمة وحققناه فيما قبل وهو لا ينافي إستناد الكل إلى مسبب الأسباب ولا يزاحم جريان الأمور كلها بقضائه وقدره تعالى شأنه نعم القول بأن الفلكيات ونحوها مؤثرة بنفسها ولو لم يأذن الله تعالى ضلال وإعتقاده كفر وعلى ذلك يخرج ما وقع في الخبر من قال : أمطرنا بنوء كذا فهو كافر بالله تعالى مؤمن بالكوكب ومن قال : أمطرنا بفضل الله تعالى فهو مؤمن بالله تعالى كافر بالكوكب فليحفظ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته مبالغة في إستدعاء الوقاية من النار وبيان لسببه وصدرت الجملة بالنداء مبالغة في التضرع إلى معود الإحسان كما يشعر به لفظ الرب وعن إبن عباس أنه كان يقول : أسم الله تعالى الأكبر رب رب والتأكيد بأن الإظهار كمال اليقين بمضمون الجملة والإيذان بشدة الخوف ووضع الظاهر موضع الضمير للتهويل وذكر الإدخال في موراد العذاب لتعيين كيفيته وتبيين غاية فظاعته والإخزاءكما قال الواحديجاء لمعان متقاربة فعن الزجاج يقال : أخزى الله تعالى العدو أي أبعده وقيل : أهانه وقيل : فضحه وقيل : أهلكه ونقل هذا عن المفضل وقيل : أحله محلا وأوقفه موقفا يستحي منه .
وقال إبن الأنباري : الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو بإنقطاع حجة أو بوقوع في بلاء والمراد فقد أخزيته خزيا لا غاية وراءه ومن القواعد المقررة انه إذا جعل الجزاء أمرا ظاهر اللزوم للشرط سواء كان اللزوم بالعموم والخصوص كما في قولهم : من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك أو بالإستلزام كما في هذه الآية يحمل على أعظم أفراده وأخصها لتربية الفائدة ولهذا قيد الخزي بما قيد وأحتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أن العذاب الروحاني أقوى من العذاب الجسماني وذلك لأنه رتب فيها العذاب الروحاني وهو الإخزاء بناءا على أنه الإهانة والتخجيل على الجسماني الذي هو إدخال النار وجعل الثاني شرطا والأول جزاءا والمراد من الجملة الشرطية الجزاء والشرط قيد له فيشعر بأنه أقوى وأفظع وإلا لعكسكما قال الإمام الرازيوأيضا المفهوم من قوله تعالى : وقنا عذاب النار طلب الوقاية منه وقوله سبحانه : ربنا إلخ دليل عليه فكأنه طلب الوقاية من المذكور لترتب الخزي عليه فيدل على أنه غاية يخاف منهكما قاله بعض المحققينوأحتج بها المعتزلة على أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن لأنه إذا أدخله الله تعالى فقد أخزاه والمؤمن لا يخزي لقوله تعالى : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه وأجيب بأنه لا يلزم من أن لا يكون من آمن مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مخزيا أن لا يكون غيره وهو مؤمن كذلك وأيضا الآية ليست عامة لقوله تعالى : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين أتقوا فتحمل على من أدخل النار للخلود وهم الكفار وهو المروى عن أنس وسعيد بن المسيب وقتادة وإبن جريج .
وأيضا يمكن أن يقال : إن كل من يدخلها مخزي حال دخوله وإن كانت عاقبة أهل الكبائر منهم الخروج وقوله تعالى : يوم لا يخزي إلخ نفي الخزي فيه على الإطلاق والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة وهو نفي الخزي المخلد وأيضا يحتمل أن يقال : الإخزاء مشترك بين التخجيل والإهلاك والمثبت هو الأول والمنفي هو الثاني وحينئذ لا يلزم التنافي وأحتجت المرجئة بها على أن صاحب الكبيرة لا يدخل النار لأنه مؤمن لقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى وقوله سبحانه : وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا والمؤمن لا يخزي لقوله تعالى : يوم لا يخزي الله النبي إلخ والمدخل في النار مخزي لهذه الآية وأجيب بمنع المقدمات بأسرها