أوتوا الكتاب من قبلكم وهم أهل مقام الجمع ومن الذين أشركوا وهم أهل مقام الجمع ومن الذين أشركوا وهم أهل الكثرة أذى كثيرا لنطقهم بما يخالف مشربكم والخطاب للمتوسطين من السالكين فإنهم ينكرون على أهل مقام الجمع وعلى أهل الكثرة جميعا ما داموا غير واصلين إلى توحيد الذات وغير كارعين من بحار الفرق بعد الجمع وإن تصبروا على مجاهدة أنفسكم وتتقوا النظر إلى الأغيار فإن ذلك من عزم الأمور أي من الأمور المطلوبة التي تجر إلى المقصود والفوز بالمطلوب وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه الظاهر هنا عدم صحة إرادة المعنى الذي أريد من الذين أوتوا الكتاب آنفا ومن حمله عليه تكلف جدا فلعله باق على ظاهره أو أنه إشارة إلى العلماء مطلقا وضمير فنبذوه وراء ظهورهم إلخ راجع إليهم بإعتبار البعض فتدبر ولا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا أي يعجبون بما فعلوا من طاعة ويحجبون برؤيته ويحبون أن يحمدوا أي يحمدهم الناس فهم محجوبون بغرض الحمد والثناء من الناس أو أن يكونوا محمودين عند الله بما لم يفعلوا بل فعله الله تعالى على أيديهم إذ لا فعل حقيقة إلا لله تعالى فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم وهو عذاب الحرمان والحجاب ولله ملك السموات والأرض ليس لأحد فيهما شيء وهو المتصرف فيهما وفيما أشتملنا عليه فكيف يعجب من ظهر على يده فعل بما ظهر والله على كل شيء قدير لا يقدر سواه على فعل ما حتى يحجب برؤيته إن في خلق السموات والأرض تأكيد لما قبله وإقامة دليل عليه ولذا لم يعطف وأتى بكلمة إن إعتناءا بتحقق مضمون الجملة أي إن في إيجادهما وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب والبدائع وأختلاف الليل والنهار أي تعاقبها ومجيء كل منهما خلف الآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لسباحتها في بحر قدرته سبحانه حسب إرادته وخبر الخرزتين خارج عن سلك القبول وبفرض نظمه فيه مؤل وثقب التأويل واسع وكون ذلك تابعا لحركة السموات وسكون الأرضكما قاله مولانا شيخ الإسلاممخالف لما ذهب إليه جمهور أهل السنة من المحدثين وغيرهم من سكون السموات وتحرك النجوم أنفسها بتقدير الله تعالى العليم وما ذهب إليه هو مذهب الحكماء المشهور بين الناس وقد ذكر مولانا الشيخ الأكبر قدس سره ما يخالفه أيضا حيث قال : إن الله سبحانه جعل هذه السموات ساكنة وخلق فيها نجوما تسبح بها وجعل لها في سباحتها حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها تسير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخرق الهواء المماس لها فيحدث بسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماوية وجعل أصحاب علم الهيئة للأفلاك ترتيبا ممكنا في حكم العقل وجعلوا الكواكب في الأفلاك كالشامات على سطح الجسم وكل ما قالوه يعطيه ميزان حركاتها وإن الله تعالى لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه ولذلك يصيبون في علم الكسوفات ونحوه وقالوا : إن السموات كالأكر وأن الأرض في جوفها وذلك كله ترتيب وضعي يجوز في الإمكان غيره وهم مصيبون في الأوزان مخطئون في أن الأمر كما رتبوه فليس الأمر إلا على ما ذكرناه شهودا إنتهى .
ويؤيد دعوى أنه يجوز في الإمكان غيره ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها وأقاموا على ذلك الأدلة والبراهين