بزعمهم وبنوا عليه الكسوف والخسوف ونحوهما ولم يتخلف شيء من ذلك فهذا يشعر بأنه لا قطع فيما ذهب إليه أصحاب الهيئة ويحتمل أن يراد بإختلاف الليل والنهار تفاوتهما بإزدياد كل منهما بإنتقاص الآخر وإنتقاصه بإزدياده بإختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو في إختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما في الطول والقصر فإن البلاد القريبة من قطب الشمال أيامها الصيفية أطول وليالها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها وإما في أنفسهما فإن كرية الأرض تقتضي أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا وفي مقابله نهارا وفي بعضها صباحا وفي بعضها ظهرا أو عصرا أو غير ذلك وهذا مما لا شبهة فيه عند كثير من الناس وذكره شيخ الإسلام أضاوليس بالبعيدبل إختلاف الأوقات في الأماكن مشاهد محسوس لا يختلف فيه إثنان إلا أن في كرية الأرض إختلافا فقد ذكر مولانا الشيخ الأكبر قدس سره أن الله تعالى بعد أن خلق الفلك المكوكب في جوف الفلك الأطلس خلق الأرض سبع طبقات وجعل كل أرض أصغر من الأخرى ليكون على كل أرض قبة سماء فلما تم خلقها وقدر فيها أقواتها وأكتسى الهواء صورة البخار الذي هو الدخان فتق ذلك الدخان سبع سموات طباقا وأجساما شفافة وجعلها على الأرضين كالقباب على كل أرض سماء أطرافها عليها نصف كرة وكرة الأرض لها كالبساط فهي مدحية دحاها من أجل السماء أن تكون عليها وجعل في كل سماء من هذه واحدة من الجواري على الترتيب المعروف إنتهى والقلب يميل إلى الكرية والله لا يستحيي من الحق وما ذهب إليه الشيخ الأكبر قدس سره أمر شهودي وفيه الموافق والمخالف لما ذهب إليه معظم المحدثين وأكثر علماء الدين .
والذي قطع به بعض المحققين أنه لم يجيء في الأحاديث الصحيحة المرفوعة ما يفصل أمر السموات والأرض أتم تفصيل إذ ليست المسألة من المهمات في نظر الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم والمهم في نظره منها واضح لا مرية فيه وسبحان من لا يتعاصى قدرته شيء والليل واحد بمعنى جمع وواحده ليلة مثل تمرة وتمر وقد جمع على ليال فزادوا فيها الياء على غير قياس ونظيره أهل وأهال ويقال : كان الأصل فيها ليلاة فحذفت لأن تصغيرها لييلية كذا في الصحاح وصحح غير واحد أنه مفرد ولا يحفظ له جمع وأن القول بأنه جمع والليالي جمع جمع غير مرضي فأفهم وقد تقدم الكلام مستوفي في الليل والنهار ووجه تقديم الأول على الثاني .
لآيات أي دلالات على وحدة الله تعالى وكمال علمه وقدرته وهو أسم إن وقد دخله اللام لتأخره عن خبرها والتنوين فيه للتفخيم كما وكيفا أي آيات كثيرة عظيمة وجمع القلة هنا قائم مقام جمع الكثرة قيل : وفي ذلك رمز إلى أن الآيات الظاهرة وإن كانت كثيرة في نفسها إلا أنها قليلة في جنب ما خفى منها في خزائن العلم ومكامن الغيب ولم يظهر بعد لأولي الألباب أي لأصحاب العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم ومنه خبر إن الله تعالى منع مني بني مدلج لصلتهم الرحم وطعنهم في ألباب الإبل أي خالص إبلهم وكرائمها ويقال : لب يلب كعض يعض إذا صار لبيبا وهي لغة أهل الحجاز وأهل نجد يقولون : لب يلب كفر يفر ويقال : لبب الرجل بالكسر يلب بالفتح إذا صار ذالب وحكى لبب بالضم وهو نادر لا نظير له في المضاعف .
ووجه دلالة المذكورات على وحدته تعالى أنها تدل على وجود الصانع لتغيرها المستلزم لحدوثها وإستنادها إلى مؤثر قديم ومتى دلت على ذلك لزم منه الوحدة ووجه دلالتها على ما بعد أنها في غاية الإتقان ونهاية الأحكام