معه ومن نظر إلى الغير حرم فوائد الحق وسواطع أنوار القرب لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وهم اليهود حيث سمعوا الإستقراض ولم يفهموا سره فوقعوا فيما وقعوا وقالوا ما قالوا وهذا القول إنما يجر إليه الطغيان وغلبة الصفات الذميمة وإستيلاء سلطان الهوى على النفس الأمارة فتطلب حينئذ الإرتداء برداء الربوبية ومن هنا تقول : أنا ربكم الأعلى أحيانا مع حجابها وبعدها عن الحضرة الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قيل : إنه روى أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان فيدعوا الله تعالى فتأتي نار من السماء فتأكله وتأويله أن يأتوا بنفوسهم يتقربون بها إلى الله تعالى ويدعون بالزهد والعبادة فتأتي نار العشق من سماء الروح فتأكله وتفنيه في الوحدة وبعد ذلك تصح نبوتهم وتظهر فلما سمع بذلك عوام بني إسرائيل أعتقدوا ظاهره الممكن في عالم القدرة فأقترحوا على كل نبي تلك الآية إلى أن جاء نبينا فأقترحوا عليه ونقل الله تعالى ذلك لنا ورده عليهم وأولى من هذا في باب التأويل أن يهود صفات النفس البهيمية والشيطانية قالوا لرسول الخاطر الرحماني والإلهام الرباني لا ننقاد لك حتى تأتينا بقربان هو الدنيا وما فيها تجعلها نسيكة لله عزوجل فتأكلها نار المحبة قل ياوارد الحق قد جاءكم رسل من قبلي أي واردات الحق بالبينات بالحجج الباهرة وبالذي قلتم وهو جعل الدنيا وما فيها قربانا فلم قتلتموهم أي غلبتموهم ومحوتموهم حتى لم تبقوا أثرا لتلك الواردات إن كنتم صادقين في أنكم تؤمنون لمن يأتيكم بذلك فإن كذبوك خطاب للرسول الأعظم فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات للعوام والزبر للمتوسطين والكتاب المنير للخواص ويحتمل أن يكون الأول إشارة إلى توحيد الأفعال والثاني إلى توحيد الصفات والثالث إلى توحيد الذات المشار إليه بقوله تعالى : الله نور السموات والأرض ولهذا أتى بالكتاب مفردا ووصفه بالمنير وجوز أن يكون الخطاب للوارد الرحماني والرسل إشارة إلى الواردات المختلفة المتنوعة كل نفس ذائقة الموت حكم شامل لجميع الأنفس مجردة كانت أو بسيطة بحمل الموت على ما يشمل الموت الطبيعي والفناء في الله سبحانه وتعالى ثم توفون أجوركم على إختلافها يوم القيامة فمن زحزح عن النار أي نار الحجاب أو ما يعمها والنار المعروفة وأدخل الجنة المتنوعة إلى ما قدمناه غير مرة أو الجنة بالمعنى الأعم فقد فاز وما الحياة الدنيا ولذاتها الفانية إلا متاع الغرور لأنها الحجاب الأعظم لمن نظر إليها من حيث هي لتبلون لتختبرن في أموالكم بإيجاب إنفاقها مع ميلكم إليها وأنفسكم بتعريضها لما يكاد يجر إلى إتلافها مع حبكم لها .
وقال بعض العارفين : إن الله تعالى أظهر النفس وزينها بكسوة الربوبية وملأها باللطف والقهر وكساها زينة الملك من الأموال إبتلاءا وإمتحانا فمن نظر إلى نفسه بعين زينة الربوبية فنيت نفسه فيها ونطق لسان الربوبية منه وصار كشجرة موسى عليه السلام حيث نطق الحق منها وذلك مثل الحلاج القائل : أنا الحق ومن نظر إلى زينة الأموال التي هي زنية الملك صار حاله كحال سليمان عليه السلام حيث كان ينظر إلى عظم جلال المولى من خلال تلك الزينة ومن نظر إلى نفسه من حيث أنها نفسه وأغتر بالسراب ولم يحقق بالذوق ما عنده صار حاله كحال فرعون إذ نادى أنا ربكم الأعلى ومن نظر إلى خضرة الدنيا وحسا كأس شهواتها وسكر بها صار كبلعام فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وهذا وجه الإبتلاء بالأموال والأنفس وأي إبتلاء أعظم من رؤية الملك ورؤية الربوبية في الكون الذي هو محل الإلتباس ولتسمعن من الذين