وأن يستعار من المفازة للقفر وحينئذ يكون من العذاب صفة له لأن أسم المكان لا يعمل ولا بد من تقدير المتعلق خاصا أي منجية من العذاب وتقديره عاماأي بمفازة كائنة من العذابغير صحيح لأن المفازة ليست من العذاب وأعترض بأن تقديره خاصا مع كونه خلاف الأصل تعسف مستغنى عنه وقريء بضم الباء الموحدة في الفعلين على أن الخطاب شامل للمؤمنين أيضا وبياء الغيبة وفتح الباء فيهما على أن الفعل له E أو لكل من يتأتى منه الحسبان ومفعولاه في القراءتين كما ذكر من قبل .
وقرأ أبو عمرو وإبن كثير بالياء وفتح الباء في الفعل الأول وبالياء وضم الباء في الفعل الثاني على أن فاعل لا يحسبن الذين بعده ومفعولاه محذوفان يدل عليهما مفعولا مؤلآكده وفاعل مؤكده ضمير الموصول ومفعولاه ضميرهم و بمفازة أي لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة .
ويجوز أن يكون المفعول الأولللايحسبنمحذوفا والمفعول الثاني مذكورا أي أعني بمفازة أن لا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم فائزين وقوله تعالى : فلا يحسبنهم مؤكد والفاء زائدة كما مر وأن يكون كلا مفعولي لا يحسبن مذكورا الأول ضميرهم المتصل بالفعل الثاني والثاني بمفازة وهو مبني على جعل التأكيد هو الفعل والفاعل فقط على ما هو الأنسب إذ ليس المذكور سابقا سواهما ورد بأن فيه إتصال ضمير المفعول بغير عامله أو فاعله المتصل بعامله ولم يقل به أحد من النحاة وإن كان فيه تحاش عن الحذف في هذا الباب وفيه نظر إذ قد صرح كثير بجواز ذلك وقد أفردت هذه المسألة بالتدوين وجوز أيضا أن يكون الفعل الأول مسندا إلى ضمير النبي أو كل حاسب والمفعول الأول الموصول والمفعولي الثاني محذوفا لدلالة مفعول الفعل الثاني عليه والفعل الثاني مسندا إلى الضمير الموصول والفاء للعطف لظهور تفرع عدم حسبانهم على عدم حسبانه E أو عدم حسبان كل ما حاسب ومفعولاه الضمير المنصوب و بمفازة وتصدير الوعيد بنهيهم عن الحسبان المذكور على ما قال شيخ الإسلام للتنبيه على بطلان آرائهم الركيكة وقطع أطماعهم الفارغة حيث كانوا يزعمون أنهم ينجون بما صنعوا من عذاب الآخرة كما نجوا به من المؤاخذة الدنيوية وعليه كان مبني فرحهم وأما نهيه فللتعريض بحسبانهم المذكور لا لإحتمال وقوع الحسبان من جهته .
وأنت تعلم أن تعليل التصدير بما ذكر على تقدير إجراء الموصول على عمومه على ما مر غير ظاهر إلا أن يقال بالتغليب ولهم عذاب أليم 881 بيان لثبوت فرد من العذاب لا غاية له في المدة والشدة إثر ما أشير إليه من عدم نجاتهم من مطلق العذاب ويلوح بذلك الجملة الأسمية والتنكير التفخيمي والوصف .
وجوز أن يكون هذا إشارة إلى العذاب الأخروي ويحمل نفي النجاة من العذاب فيما تقدم على نفي العذاب العاجل وهو كونهم مذمومين مردودين فيما بين الناس لأن لباس الزور لا يبقى وينكشف حال صاحبه ويفتضح .
ولله ملك السموات والأرض تقرير لما قبله حيث أفاد أن لله وحده السلطان القاهر في جميع العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار إيجادا وإعداما إحياءا وإماتة تعذيبا وإثابة ومن هو كذلك فهو مالك أمرهم لاراد له عما أراد بهم والله على كل شيء قدير 981 تقرير إثر تقرير والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة مع الإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألوهية والرمز إلى إستقلال كل من الجملتين بالتقرير وقيل : مجموع الجملتين مسوق لرد قول اليهود السابق إن الله فقير ونحن أغنياء