إثر بيان قباحتها وفي ذلك من التسلية أيضا ما لا يخفى وقد أدمج فيها بيان بعض آخر من شنائعهم وفضائحهم وهو إصرارهم على القبيح وفرحهم بذلك ومحبتهم لأن يوصفوا بما ليس فيهم من الأوصاف الجميلة وأخرج سبحانه بذلك مخرج المعلوم إيذانا بشهرة إتصافهم به وقيل : إن الموصول عبارة عن أناس منافقين وهم طائفة معهودون من المذكورين وغيرهم وأيد ذلك بما أخرجه الشيخان والبيهقي ف شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا قدم رسول الله من الغزو أعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت هذه الآية وروى مثل ذلك عن رافع بن خديج وزيد بن ثابت وغيرهما وقيل : المراد بهؤلاء المنافقون كافة وقد كان أكثرهم من اليهود .
وأدعى بعضهم أنه الأنسب بما في حيز الصلة لشهرة أنهم كانوا يفرحون بما فعلوا من إظهار الإيمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان وهم عن فعله بألف منزل وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم في الغاية القاصية من العداوة ولا يخفى عليك أنه وإن سلم كونه أنسب إلا أنه لم يوجد فيما نعلم من الآثار الصحيحة ما يؤيده ومن هنا يعلم بعد القول بأن الأولى إجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتي بشيء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب ويود أن يمدحه الناس بما هو عار منه من الفضائل منتظما للمعهودين إنتظاما أوليا على أنه قد أعترض بأن إنتظام المعهودين مطلقا فضلا عن كونه أوليا غير مسلم إلا إذا عمم ما في بما أتوا بحيث يشمل الحسنات الحقيقية وغيرها أما إذا خص بالحسنات كما يوهمه ظاهر هذا القول فلا يسلم الإنتظام لأن أولئك الفرحين لم يأتوا بحسنة في نفس الأمر ليفرحوا بها فرح إعجاب كما لا يخفى ولعل الأمر في هذا سهل نعم يزيده بعدا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب من طريق حميد بن عبدالرحمن أن مروان قال لبوابه : أذهب يارافع إلى إبن عباس فقل : لئن كان كل أمريء منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال إبن عباس : ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ثم تلا وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب إلى آخر الآيتين فإنه لو كان الأولى إجراء الموصول على عمومه لأجراه خبر الأمة وترجمان القرآن وأزال الإشكال بتقييد الفرح بفرح الإعجاب كما فعل صاحب هذا القول ولا يلزم من كلام الحبر على هذا عدم حرمة الفرح فرح إعجاب وحب الحمد بما لم يفعل بالمرة بل قصارى ما يلزم منه عدم كون ذلك مفاد الآيةكما قيلوهو لا يستلزم عدم كونه مفاد شيء أصلا ليكون ذلك قولا بعدم الحرمة كيف وكثير من النصوص ناطق بحرمة ذلك حتى عده البعض من الكبائر ! فليفهم وأيا ما كان فالموصول مفعول أوللتحسينوقوله تعالى : فلا تحسبنهم تأكيد له والعربكما قال الزجاجإذا أطالت القصة تعيد حسبت وما أشبهها إعلاما بأن الذي جرى متصل بالأول وتوكيد له فتقول : لا تظنن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا فيفيد لا تظنن توكيدا وتوضيحا والفاء زائدة كما في قوله : .
فإذا هلكت فعند ذلك فأجزعي .
والمفعول الثاني في قوله سبحانه : بمفازة من العذاب أي متلبسين بنجاة منه على أن المفازة مصدر ميمي بمعنى الفوز والتاء ليست للوحدة لبناء المصدر عليه و من العذاب متعلق به وجوز أن تكون المفازة أسم مكان أي محل فوز ونجاة