وروى الزهري عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا وكان يهجو النبي ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود فأراد النبي أن يستصلحهم كلهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله تعالى ولتسمعن الآية .
وفي رواية أخرى عن الزهري أن كعبا هذا كان يهجو النبي ويشبب بنساء المؤمنين فقال : من لي بإبن الأشرف فقال محمد بن مسلمة : أنا يارسول الله فخرج هو ورضيعه أبو نائلة مع جماعة فقتلوه غيلة وأتوا برأسه إلى النبي آخر الليل وهو قائم يصلي ثم إنه سبحانه بين بعض أذيات أهل الكتاب بقوله عز قائلا وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب والمراد بهم إما أحبار اليهود خاصةوإليه ذهب إبن جبيروهو المروى عن إبن عباس من طريق عكرمة وإما ما يشملهم وأحبار النصارىوهو المروى عنه من طريق علقمةوإنما ذكروا بعنوان إيتاء الكتاب مبالغة في تقبيح حالهم وقيل : رمزا إلى أن أخذ الميثاق كان في كتابهم الذي أوتوه وروى سعيد بن جبير أن أصحاب عبدالله يقرؤنوإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم لتبيننه للناس جواب ميثاق لتضمنه معنى القسم والضمير للكتاب أي بالله لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها أمر نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المقصود بالحكاية وظاهر كلام السدي وإبن جبير أن الضمير لمحمد وإن لم يصرح بأسمه الشريف E .
وقرأ إبن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية إبن عياش ليبيننه بياء الغيبة وقد قرر علماء العربية أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك في ذلك ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كان تقول : أستحلفته ليقومن الثاني أن تأتي بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له فتقول : إستحلفته لتقومن كأنك قلت : قلت له : لتقومن الثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول : إستحلفته لأقومن ومنه قوله تعالى : تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله بالنون والياء والتاء ولو كان تقاسموا أمرا لم يجيء فيه الياء التحتية لأنه ليس بغائب قاله بعض المحققين ولا تكتمونه عطف على الجواب وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا وقال أبو البقاء : إكتفاء بالتوكيد في الفعل الأول .
وجوز أن يكون حالا من ضمير المخاطبين إما على إضمار مبتدأ بعد الواو أي وأنتم لا تكتمونه وإما على رأي من يجوز دخول الواو على المضارع المنفي عند وقوعه حالا أي لتظهرنه غير كاتمين والنهي عن الكتمان بعد الأمر بالبيان للمبالغة في إيجاب المأمور بهكما ذهب إليه غير واحدأو لأن المراد بالبيان المأمور به ذكر الآيات الناطقة بنبوته وبالكتمان المنهي عنه إلغاء التأويلات الزائغة والشبهات الباطلة كما قيل .
وأخرج إبن جرير عن الحسن أنه كان يفسر لتبيننه للناس ولا تكتمونه بقوله لتتكلمن بالحق ولتصدقنه بالعمل وأمر النهي بعد الأمر على هذا ظاهر أيضا ولعل الكلام عليه أفيد .
وقرأ إبن كثير ومن معه ولا يكتمونه بالياء كما في سابقه فنبذوه أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق وراء ظهورهم ولم يراعوه ولم يلتفتوا إليه أصلا فإن النبذ وراء الظهر تمثيل وإستعارة لترك الإعتداد وعدم