على تلك الشدائد عند ورودها وتتقوا أي تتمسكوا بتقوى الله تعالى وطاعته والتبتل إليه بالكلية والإعراض عما سواه بالمرة بحيث يستوي عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه فإن ذلك إشارة إلى المذكور ضمنا من الصبر والتقوى وما فيه من معنى البعد إما لكونه غير مذكور صريحا على ما قيل أو للإيذان بعلو درجة هذين الأمرين وبعد منزلتهما .
وتوحيد حرف الخطاب إما بإعتبار كل واحد من المخاطبين إعتناءا بشأن المخاطب به وإما لأن المراد بالخطاب مجرد التنبيه من غير خصوصية أحوال المخاطبين من عزم الأمور 681 أي الأمور التي ينبغي أن يعزمها كل أحد لما فيه من كمال المزية والشرف العز أو مما عزمه الله تعالى وأوجبه على عباده وعلى كلا التقديرين فالعزم مصدر بمعنى المعزوم وهو مأخوذ من قولهم عزمت الأمركما نقله الراغبوالأشهر عزمت على الأمر ودعوى أنه لم يسمع سواه غير مسموعة كدعوى عدم صحة نسبة العزم إليه تعالى لأنه توطين النفس وعقد القلب على ما يرى فعله وهو محال عليه تعالى ومما يؤيد صحة النسبة أنه قريء فإذا عزمت بضم التاء وهو حينئذ بمعنى الإرادة والإيجاب ومنه قول أم عطية رضي الله تعالى عنها : نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا وما في حديث آخر يرغبنا في قيام رمضان من غير عزيمة وقولهم : عزمات الله تعالىكما نقله الأزهريومن هذا الباب قول الفقهاء : ترك الصلاة زمن الحيض عزيمة والجملة تعليل لجواب واقع موقعه كأنه قيل : وإن تصبروا وتتقوا فهو خير لكم أو فقد أحسنتم أو نحوهما فإن ذلك إلخ وجوز أن يكون ذلك إشارة إلى صبر المخاطبين وتقواهم فحينئذ تكون الجملة بنفسها جواب الشرط وفي إبراز الأمر بالصبر والتقوى في صورة الشرطية من إظهار كمال اللطف بالعباد ما لا يخفى وزعم بعضهم أن هذا الأمر الذي أشرت إليه الآية كان قبل نزول آية القتال وبنزولها نسخ ذلك وصحح عدم النسخ وأن الأمر بما ذكر كان من باب المداراة التي لا تنافي الأمر بالقتال وسبب نزول هذه الآية في قول ما تقدمت الإشارة إليه وأخرج الواحدي عن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث إبن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبدالله بن أبيوذلك قبل أن يسلم عبدالله فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبة الأوثان واليهودوفي المجلس عبدالله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله بن أبي أنفه بردائه ثم قال : لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن فقال عبدالله بن أبي : أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا أرجع إلى رحلك فمن جاءك فأقصص عليه وقال عبدالله بن رواحة : بلى يارسول الله فأغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك وأستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون فلم يزل البني صلى الله تعالى عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له : ياسعد ألم تسمع ما قال أبو حبابيريد عبدالله بن أبيقال : كذا وكذا فقال سعد : يارسول الله أعف عنه وأصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله تعالى بالحق الذي نزل عليك وقد أصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله تعالى ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق فغص بذلك فعفا عنه رسول الله فأنزل الله تعالى الآية