الظلم وكثرته بإعتبار آحاد من ظلم فالمبالغة في ظلام بإعتبار الكمية لا الكيفية وبأنه إذا إنتفى الظلم الكثير إنتفى القليل لأن من يظلم يظلم للإنتفاع بالظلم فإذا ترك كثيره مع زيادته نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا وبأن ظلام للنسب كعطار أي لا ينسب إليه الظلم أصلا وبأن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب فلو كان تعالى ظالما سبحانه لكان ظلاما فنفى اللازم لنفي الملزوم وأعترض بأنه لا يلزم من كون صفاته تعالى في أقصى مراتب الكمال كون المفروض ثبوته كذلك بل الأصل في صفات النقص على تقدير ثبوتها أن تكون ناقصة وأجيب بأنه إذا فرض ثبوت صفة له تعالى تفرض بما يلزمها من الكمال والقول بأن هذا في صفات الكمال دون صفات النقص إنما يوجب عدم ثبوتها لا ثبوتها ناقصة وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة الكلام في هذا المقام الذين قالوا نصب أو رفع على الذم وجوز أن يكون في موضع جر على البدلية من نظيره المتقدم .
والمراد من الموصول جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوه وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا هذا القول : إن الله عهد إلينا أي أمرنا في التوراة وأوصانا ألا نؤمن أي بأن لا نصدق ونعترف لرسول يدعى الرسالة إلينا من قبل الله تعالى حتى يأتينا بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى من نعم وغيرهاكما قاله غير واحدوقريء بقربان بضمتين تأكله النار أريد به نار بيضاء تنزل من السماء ولها دوى والمراد من أكل النار للقربان إحالتها إلى طبعها بالإحراق وإستعماله في ذلك إما من باب الإستعارة أو المجاز المرسل وقد كان أمر إحراق النار للقربان إذا قبل شائعا في زمن الإنبياء السالفين إلا أن دعوى أولئك اليهود هذا العهد من مفترياتهم وأباطيلهم لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك ولما كان مرامهم من هذا الكلام الباطل عدم الإيمان برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعدم إتيانه بما قالوا ولو تحقق الإتيان به لتحقق الإيمان بزعمهم رد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه : قل يامحمد لهؤلاء القائلين تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم قد جاءكم رسل كثيرة العدد كبيرة المقدار مثل زكريا ويحيى وغيرهم من قبلي بالبينات اي المعجزات الواضحة والحجج الدالة على صدقهم وصحة رسالتهم وحقية قولهم كما كنتم تقترحون عليهم وتطلبون منهم وبالذي قلتم بعينه وهو القربان الذي تأكله النار فلم قتلتموهم أي فمالكم لم تؤمنوا بهم حتى أجترأتم على قتلهم مع أنهم جاءوا بما قلتم مع معجزات أخر إن كنتم صادقين 381 أي فيما يدل عليه كلامكم من أنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما أقترحتموه والخطاب لمن في زمن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كان الفعل لإسلافهم لرضاهم بهعلى ما مر غير مرةوإنما لم يقطع سبحانه عذرهم بما سألوه من القربان المذكور لعلمه سبحانه بأن في الإتيان به مفسدة لهم والمعجزات تابعة للمصالح ونقل عن السدي أن هذا الشرط جاء في التوراة هكذا : من جاء يزعم أنه رسول الله تعالى فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان والظاهر عدم ثبوت هذا الشرط أصلا فإن كذبوك فيما جئتهم به