عليكم ولم يترك بسبب أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد وهو بمنطوقه يدل على أن نفي الظلم لا يكون سببا لترك التعذيب من مستحقه ولا يدل على كون الظلم سببا لترك التعذيب بل له سبب آخر وهو لطفه تعالى فلا يرد الإعتراض وأنت تعلم بأن هذا ذهول عن مقصود المعترض أيضا فإن دلالة الكلام على كون الظلم سببا لترك التعذيب وعدمها خارج عن مطمح نظره على ما عرفت من تقرير كلامه على أنه إذا كان المراد بالسبب السبب الموجب على ما هو مبني كلام ذلك المولى فدلالته عليه ظاهرة فإن وجود السبب الموجب كما يكون سببا لوجود المسبب يكون عدمه سببا لعدمهكما في طلوع الشمس ووجود النهارفالعدل أعني نفي الظلم إذا كان سببا لتعذيب المستحق يكون عدمه أعني الظلم سببا لعدم التعذيب وقيل : إنه عطف على ما قدمت للدلالة على أن سببية ذنوبهم لعذابهم مقيدة بإنتفاء ظلمه تعالى إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم .
وتعقبه أيضا مولانا شيخ الإسلام بقوله : وأنت خبير بأن إمكان تعذيبه تعالى لعبيده بغير ذنب بل وقوعه لا ينافي كون تعذيب هؤلاء الكفرة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى إعتبار عدمه معه وإنما يحتاج إلى ذلك إن كان المدعي أن جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين إنتهى ولا يخفى عليك أن أن لا يعذبهم بذنوبهم في كلام القيل معطوف على قوله : أن يعذبهم والمعنى أن ذكر هذا القيد رفع إحتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لإحتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن شرعا وعقلا وقوله : للدلالة على أن سببية ذنوبهم لعذابهم مقيدة إلخ أراد به أن تعينه للسببية إنما يحصل بهذا القيد إذ بإمكان تعذيبه بغير ذنب يحتمل أن يكون سبب التعذيب إرادة العذاب بلا ذنب فيكون حاصل معنى الآية إن عذابكم هذا إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر فإذا علمت هذا ظهر لك أن تزييف المولى كلام صاحب القيل بأن إمكان تعذيبه تعالى إلخ ناشيء عن الغفلة عن مراده فإن كلامه ليس في منافاة هذين الأمرين بحسب ذاتهما بل في منافاة إحتمال التعذيب بلا ذنب لتعين سببية الذنوب له وكذا قوله عقيب ذلك وإنما يحتاج إلى ذلك إن كان المدعي إلخ ناشيء عن الغفلة أيضا لأن الإحتياج إلى ذلك القيد في كل من الصورتين إنما هو لتقريع المخاطبين وتبكيتهم في الإعتراف بتقصيراتهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم .
فالقول بالإحتياج في صورة وعدمه في صورة ركيك جدا ثم إنه لا تدافع بين هذا القيل وبين ما نقل أولا عن فحول المفسرين حيث جعل المعطوف هناك سببا وههنا قيدا للسبب لأن المراد بالسبب الوسيلة المحضة كما أشرنا إليه فيما سبق فهو وسيلة سواء أعتبر سببا مستقلا أو قيدا للسبب نعم بينهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى تدافع يتراءى من وجه آخر لكنه أيضا غير وارد كما سنحققه بحوله تعالى .
والحاصل أن العطف هنا مما لا بأس به وهو الظاهروسليه ذهب من ذهبويجوز أن يجعلوإليه ذهب شيخ الإسلام أن وما بعدها في محل الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والجملة إعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظالما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من الظلم كما يعبر عن ترك الإثابة على الأعمال بإضاعتها مع أن الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها إضاعتها وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في صورة المبالغة في الظلم ومن هنا يعلم الجواب عما قيل : إن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ونفي الكثرة لا ينفي أصله بل ربما يشعر بوجوده وأجيب عن ذلك أيضا بأنه نفي لأصل