فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بمثل ما جئت به والجملة جواب للشرط لكن بإعتبار لازمها الذي دل عليه المقام فإنه لتسليته من تكذيب قومه واليهود له وأقتصر مجاهد على الثاني كأنه قيل فإن : كذبوك فلا تحزن وتسل وجعل بعضهم الجواب محذوفا وهذا تعليلا له ومثله كثير في الكلام .
وقال عصام الملة : لا حاجة إلى التأويل والقول بالحذف إذ المعنى إن يكذبوك فتكذيبك تكذيب رسل من قبلك حيث أخبروا ببعثتك وفي ذلك كمال توبيخهم وتوضيح صدقه صلى الله تعالى عليه وسلم وتسلية له ليس فوقها تسلية ونظر فيه بأن التسليةعلى ما ذهب إليه الجمهورأتم إذ عليه تكون المشاركة بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبين إخوانه المرسلين عليهم الصلاة والسلام في تكذيب المكذبين شفاها وصريحا وعلى الثاني لا شركة إلا في التكذيب لكنه بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم شفاهي وصريح وبالنسبة إلى المرسلين ليس كذلك ولا شك لذي ذوق أن الأول أبلغ في التسلية وعليه يجوز في من أن تتعلق بكذبوأن تتعلق بمحذوف وقع صفةلرسلأي كائنة من قبلك .
وعلى الثاني يتعين الثاني ويشعر بالأول الذي عليه الجمهور وصف الرسل بقوله سبحانه : جاؤا بالبينات أي المعجزات الواضحات الباهرات والزبر جمع زبور كالرسول والرسل وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته بمعنى حسنته قاله الزجاج وقيل : الزبر المواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته والكتاب المنير 481 أي الموضح أو الواضح المستنير .
أخرج إبن أبي حاتم عن السدي أنه القرآن ومعنى مجيء الرسل به مجيئهم بما أشتمل عليه من أصول الدين على ما يشير إليه قوله تعالى فيه : وإنه لفي زبر الأولين على وجه وعن قتادة أن المراد به الزبر والشيء يضاعف بالإعتبار وهو واحد وقيل : المراد به التوراة والإنجيل والزبور وهو في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء هو والحكمة متعاطفين في عامة المواقع ووجه إفراد الكتاب بناءا على القول الأول ظاهر ولعل وجه إفراده بناءا على القول الثاني والثالث وإن أريد منه الجنس الصادق بالواحد والمتعدد الرمز إلى أن الكتب السماوية وإن تعددت فهي من بعض الحيثيات كشيء واحد .
وقرأ إبن عامروبالزبربإعادة الجار للدلالة على أنها مغايرة للبينات بالذات بأن يراد بها المعجزات غير الكتب لأن إعادة العامل تقتضي المغايرة ولولاها لجاز أن يكون من عطف الخاص على العام .
ومن الغريب القول بأن المراد بالبينات الحروف بإعتبار أسمائها كألف ولام وبالزبر الحروف بإعتبار مسمياتها ورسمها كأب وبالكتاب الحروف المجتمعة المتلفظ بها كلمة وكلاما .
وأدعى أهل هذا القول : إن لكل من ذلك معاني وأسرارا لا يعقلها إلا العالمون فهم يبحثون عن الكلمة بإعتبار لفظها وبإعتبار كل حرف من حروفها المرسومة وبإعتبار أسم كل حرف منها الذي هو عبارة عن ثلاثة حروف ولا يخفى أن هذا إصطلاح لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى عليه .
والظاهر من تتبع الآثار الصحيحة أنه لم يثبت فيه عن الشارع الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم شيء ودون إثبات ذلك الموت الأحمر كل نفس ذائقة الموت أي نازل بها لا محالة فكأنها ذائقته وهو وعد ووعيد للمصدق والمكذب وفيه تأكيد للتسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم لأن تذكر الموت وإستحضاره مما يزيل