وأخرج عبدالرزاق وغيره عن إبراهيم النخعي أنه قال : يجعل ما بخلوا به طوقا من نار في أعناقهم .
وذهب بعضهم إلى أن الظاهر غير مراد والمعنى كما قال مجاهد : سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة عقوبة لهم فلا يأتون وقال أبو مسلم : سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق على أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للإيذان بكمال المناسبة بينهما ومن أمثالهم تقلدها طوق الحمامة وكيفما كان فالآية نزلت في مانعي الزكاة كما روى ذلك عن الصادق وإبن مسعود والشعبي والسدي وخلق آخرين وهو الظاهر وأخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن إبن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب الذين كتموا صفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونبوته التي نطقت بها التوراة فالمراد بالبخل كتمان العلم وبالفضل التوراة التي أوتوها ومعنى سيطوقون ما قاله أبو مسلم أو المراد أنهم يطوقون طوقا من النار جزاء هذا الكتمان .
فالآية حينئذ نظير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار وعليه يكون هذا عودا إلى ما أنجر منه الكلام إلى قصة أحد وذلك هو شرح أحوال أهل الكتاب قيل : ويعضده أن كثيرا منآيات بقية السورة فيهم ولله ميراث السموات والأرض اي لله تعالى وحده لا لأحد غيره إستقلالا أو إشتراكا ما في السموات والأرض مما يتوارث من مال وغيره كالأحوال التي تنتقل من واحد إلى آخر كالرسالات التي يتوارثها أهل السماء مثلا فما لهؤلاء القوم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله وإبتغاء مرضاته فالميراث مصدر كالميعاد وأصله موراث فقلبت الواو ياءا لإنكسار ما قبلها والمراد به ما يتوارث والكلام جار على حقيقته ولا مجاز فيه ويجوز أنه تعالى يرث من هؤلاء ما في أيديهم مما بخلوا به وينتقل منهم إليه حين يهلكهم ويفنيهم وتبقى الحسرة والندامة عليهم ففي الكلام على هذا مجاز قال الزجاج : أي إن الله تعالى يفنى أهلهما فيبقيان بما فيهما ليس لأحد فيهما ملك فخوطبوا بما يعلمون لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثا ملكا له والله بما تعملون من المنع والبخل خبير 081 فيجازيكم على ذلك وإظهار الأسم الجليل لتربية المهابة والإلتفات إلى الخطاب للمبالغة في الوعيد لأن تهديد العظيم بالمواجهة أشد وهي قراءة نافع وإبن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وقرأ الباقون بالياء على الغيبة .
لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء أخرج إبن إسحاق وإبن جرير وإبن أبي حاتم من طريق عكرمة عن إبن عباس قال : دخل أبو كبر رضي الله تعالى عنه بيت المدراس فوجد يهود قد أجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر : ويحك يا فنحاص اتق الله تعالى وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله تعالى من فقر وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما تضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله تعالى فذهب فنحاص إلى رسول الله فقال : يا محمد أنظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله لأبي بكر رضي الله تعالى عنه : ما حملك على ما صنعت قال : يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم أن الله تعالى شأنه فقير وهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله تعالى