مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص فقال : ما قلت ذلك فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص تصديقا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه هذه الآية وأنزل في أبي كبر وما بلغه في ذلك من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا الآية .
وأخرج إبن المنذر عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب لما أنزل الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة قال : يستقرضنا ربنا إنما يستقرض الفقير الغني .
وأخرج الضياء وغيره من طريق سعيد بن جبير عن إبن عباس قال : أتت اليهود رسول الله حين أنزل الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فقالوا : يامحمد فقير ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله تعالى الآية والجمع على الروايتين الأوليين مع كون القائل واحدا لرضا الباقين بذلك وتخصيص هذا القول بالسماع مع أنه تعالى سميع لجميع المسموعات كناية تلويحية عن الوعيد لأن السماع لازم العلم بالمسموع وهو لازم الوعيد في هذا المقام فهو سماع ظهور وتهديد لا سماع قبول ورضاكما في سمع الله لمن حمدهوإنما عبر عن ذلك بالسماع للإيذان بأنه من الشناعة والسماحة بحيث لا يرضى قائله بأن يسمعه سامع ولهذا أنكروه ولكون إنكارهم القول بمنزلة إنكار السمع أكده تعالى بالتأكيد القسمي وفيه أيضا من التشديد في التهديد والمبالغة في الوعيد مالا يخفى والعامل في موضع إن وما عملت فيه قالوا : فهي المحكية به وجوز أن يكون ذلك معمولا لقول المضاف لأنه مصدر قال أبو البقاء : وهذا يخرج على قول الكوفيين في أعمال الأول وهو أصل ضعيف ويزداد هنا ضعفا بأن الثاني فعل والأول مصدر وإعمال الفعل لكونه أقوى أولى .
سنكتب ما قالوا أي سنكتبه في صحائف الكتبة فالإسناد مجازي والكتابة حقيقة أو سنحفظه في علمنا ولا نهمله فالإسناد حقيقة والكتابة مجاز والسين للتأكيد أي لن يفوتنا أبدا تدوينه وإثباته لكونه في غاية العظم والهول كيف لا وهو كفر بالله تعالى سواء كان عن إعتقاد أو إستهزاء بالقرآن ! وهو الظاهر ولذلك عطف عليه قوله تعالى : وقتلهم الأنبياء بغير حق إيذانا بأنهما في العظم إخوان وتنبيها على أنه ليس بأول جريمة أرتكبوها ومعصية أستباحوها وأن من أجترأ على قتل الأنبياء بغير حق في إعتقاده أيضا كما هو في نفس الأمر لم يستبعد منه أمثال هذا القول ونسبة القتل إلى هؤلاء القائلين بإعتبار الرضا بفعل القاتلين من أسلافهم وقيل : المعنى سنجمع ما قالوا وقتلهم الأنبياء في مقام العذاب ونجزيهما جزاءا مماثلا لتشاركهما في أن في كل منهما إبطالا لما جاء به المرسلون ولا يخفى أنه مما لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى عليه .
ونقول ذوقوا عذاب الحريق 181 أي وننتقم منهم بواسطة هذا القول الذي لا يقال إلا وقد وجد العذاب .
والحريق بمعنى المحرق وإضافة العذاب إليه من الإضافة البيانية أي العذاب الذي هو المحرق لأن المعذب هو الله تعالى لا الحريق أو الإفاضة للسبب لتنزيله منزلة الفاعلكما قاله بعض المحققينوالذوقكما قال الراغبوجود الطعم في الفم وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر فإنه يقال له : أكل ثم أتسع فيه فأستعمل لإدراك سائر المحسوسات والحالات وذكره هناكما قال ناصر الدينلأن العذاب مرتب على قولهم الناشيء عن البخل والتهالك على المال وغالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ومعظم بخله للخوف من فقدانه ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال ولك أن تقول : إن اليهود لما قالوا ما قالوا وقتلوا من قتلوا فقد أذاقوا المسلمين وإتباع الأنبياء غصصا