فقد أخرج إبن جرير عن السدي أن الكفرة قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فنزلت .
ونقل الواحدي عن السدي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : عرضت على أمتي في صورها كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فأستهزؤا وقالوا : يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال الكلبي : قالت قريش : تزعم يامحمد أن من خالفك فهو في النار والله تعالى عليه غضبان وأن من تبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله تعالى عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن فأنزل الله تعالى هذه الآية وأيد الثاني بأن ظاهر السوق يقتضيه قيل : والحق إتباع السوق ويكفي أدنى مناسبة بالقصة في كونها سببا للنزول على أن في سند هذه الآثار مقالا حتى قال بعض الحفاظ في بعضها : إني لم أقف عليه وقد روى عن أبي العالية ما يخالفها وهو أن المؤمنين سئلوا أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فنزلت والتباء الإستخلاص كما روى عن أبي مالك ويؤول إلى الإصطفاء والإختيار وهو المشهور في تفسيره ويقال جبوت المال وجبيته بالواو والياء فياء يجتبي هنا إما على أصلها أو منقلبة من واو لإنكسار ما قبلها وعبر به للإيذان بأن الوقوف على الأسرار الغيبية لا يتأتى إلا ممن رشحه الله تعالى لمنصب جليل تقاصرت عنه ههمم الأمم وأصطفاه على الجماهير لإرشادهم و من لإبتداء الغاية وتعميم الإجتباء لسائر الرسل عليهم السلام للدلالة على أن شأنه E في هذا الباب أمر مبين له أصل أصيل جار على سنة الله تعالى المسلوكة فيما بين الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم .
وقيل : إنها للتبعيض فإن الإطلاع على المغيبات مختص ببعض الرسل وفي بعض الأوقات حسبما تقتضيه مشيئته تعالى ولا يخفى أن كون ذلك في بعض الأوقات مسلم وأما كونه مختصا ببعض الرسل ففي القلب منه شيء .
ولعل الصواب خلافه ولا يشكل على هذا أن الله تعالى قد يطلع على الغيب بعض أهل الكشف ذوي الأنفس القدسية لأن ذلك بطريق الوراثة لا إستقلالا وهم يقولون : إن المختص بالرسل عليهم السلام هو الثاني على انه إذا كان المراد ما أيده السوق بعد هذا الإستشكال وإظهار الأسم الجليل في الموضعين لتربية المهابة ومثله على ما قيل ما في قوله تعالى : فآمنوا بالله ورسله والمراد آمنوا بصفة الإخلاص فلا يضر كون الخطاب عاما للمنافقين وهم مؤمنون ظاهرا .
وتعميم الأمر مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يجاب الإيمان به بالطريق البرهاني والأشعار بأن ذلك مستلزم للإيمان بالكل لأنه مصدق لما بين يديه من الرسل وهم شهداء بصحة نبوته والمأمور به الإيمان بكل ما جاء به E فيدخل فيه تصديقه فيما أخبر به من أحوال المنافقين دخولا أوليا وقد يقال : إن المراد من الإيمان بالله تعالى أن يعلموه وحده مطلعا على الغيب .
ومن الإيمان برسله أن يعلموهم عبادا مجتبين إلا ما علمهم الله تعالى ولا يقولون إلا ما يوحى إليهم في أمر الشرائع وكون المراد من الإيمان بالله تعالى الإيمان بأنه سبحانه وتعالى لا يترك المخلصين على الإختلاط حتى يميز الخبيث من الطيب بنصب العلامات وتحصيل العلم الإستدلالي بمعرفة المؤمن والمنافق .
ومن الإيمان برسله الإيمان بأنهم المترشحون للأطلاع على الغيب لا غيرهم بعيد كما لا يخفى وإن تؤمنوا أي بالله تعالى ورسله