وعن كونه ضيق الصدر لكفرهم وخوطب بأنه ما عليك إلا البلاغ ولست عليهم بمسيطر ولا يخلو عن بعد إن الذين أشتروا الكفر بالإيمان أي أخذوا الكفر بدلا من الإيمان رغبة فيما أخذوا وإعراضا عما تركوا ولهذا وضع أشتروا موضع بدلوا فإن الأول أظهر في الرغبة وأدل على سوء الإختيار وقوله تعالى : لن يضروا الله شيئا تقدم الكلام فيه وفيه هنا تعريض ظاهر بإقتصار الضرر عليهم كأنه قيل : وإنما يضرون أنفسهم والمراد من الموصول هنا ما أريد منه هناك والتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ببيان علته بتغيير عنوان الموضوع فإن ما ذكر في حيز الصلة لكونه علما في الخسران الكلي والحرمان الأبدي صريح في لحوق ضرره بأنفسهم وعدم تعديه إلى غيرهم أصلا ودال على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ورزانة الرأي ورصانة التدبير من مضارة أولياء الله تعالى الذين تكفل سبحانه لهم بالنصر وهي أعز من جليمة وأمنع من لهاة الليث وجوز أن يراد بالموصول هنا عام ويراد به هناك خاص وهو ما عدا ما ذهب إليه الحسن فيه والجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقرير القواعد الكلية لما أندرج نحتها من جزئيات الأحكام وجوز الزمخشري أن يكون الأول عاما للكفار وهذا خاصا بالمنافقين وأفرده بالذكر لأنهم أشد منهم في الضرر والكيد وأعترض بأن إرادة العام هناك مما لا يليق بفخامة شأن التنزيل لما أن صدور المسارعة في الكفر بالمعنى المذكور وكونها مظنة لإيراث الحزن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما يفهم من النهي عنه إنما يتصور ممن علم إتصافه بها وأما من لا يعرف حاله من الكفرة الكائنين في الأماكن البعيدة فإسناد المسارعة المذكورة إليهم وإعتبار كونها من مباديء حزنه E ما لا وجه له ويمكن أن يقال : إن القائل بالعموم في الأول لم يرد بالكفار مقابل المؤمنين حيث كانوا وعلى أي حال وجدوا بل ما يشمل المتخلفين والمرتدين مثلا ممن يتوقع إضرارهم له صلى الله تعالى عليه وسلم وحينئذ لا يرد هذا الأعتراض .
وقيل : المراد من الأول المنافقون أو من أرتدوا مما هنا اليهود والمراد من الإيمان إما الإيمان الحاصل بالفعل كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة كما شأن اليهود مثلا وإما الإيمان الإستعدادي الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق والدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس كما هو دأب جميع الكفرة مما عدا ذلك وإما القدر المشترك بين الجميع كما هو دأب الجميع فتفطن ولهم عذاب أليم 771 أي مؤلم والجملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم بذكر غاية إيلامه بعد ذكر نهاية عظمه أو مقررة للضرر الذي آذنت به الجملة الأولى قيل : لما جرت العادة بإغتباط المشتري بما أشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك نقله مولانا شيخ الإسلام .
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم عطف على قوله تعالى : ولا يحزنك والفعل مسند إلى الموصول و أن وما عملت فيه ساد مسد مفعوليه عند سيبويه لحصول المقصود وهو تعلق أفعال القلوب بنسبة بين المبتدأ والخبر وعند الأخفش المفعول الثاني محذوف و ما إما مصدرية أو موصولة وكان حقها في الوجهين أن تكتب مفصولة لكنها كتبت في الإمام موصولة وإتباع الإمام لازم ولعل وجهه مشاكلة ما بعده والحمل على الأكثر فيها و خير خبر وقريء خيرا بالنصب على أن يكونلأنفسهمهو الخبر و لهم تبيين أو حال من خير والإملاء في الأصل إطالة المدة والملأ الحين الطويل ومنه الملوان