ما يترتب على تلك المسارعة من مراغمة المؤمنين وإيصال المضرة إليهم إلا أنه عبر بذلك مبالغة في النهي .
والمراد لا يحزنك خوف أن يضروك ويعينوا عليك ويدل على ذلك إيلاء قوله تعالى : إنهم لن يضروا الله شيئا ردا وإنكارا لظن الخوف والكلام على حذف مضاف والمراد أولياء الله مثلا للقرينة العقلية عليه وفي حذف ذلك وتعليق نفي الضرر به تعالى تشريف للمؤمنين وإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وتعالى وفي ذلك مزيد مبالغة في التسلية و شيئا في موضع المصدر أي لن يضروه ضررا ما وقيل : مفعول بواسطة حرف الجر أي لن يضروه بشيء ما أصلا وتأويل يضروا بما يتعدى بنفسه إلى مفعولين مما لا داعي إليه ولعل المقام يدعو إلى خلافه وقرأ نافعيحزنبضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن إلا قوله تعالى : لا يحزنهم الفزع الأكبر فإنه فتحها وضم الزاي وقرأ الباقون كما قرأ نافع في المستثنى .
وقرأ أبو جعفر عكس ما قرأ نافع والماضي على قراءة الفتح حزن وعلى قراءة الضم من أحزن ومعناهما واحد إلا أن حزن لغة قليلة وقيل : حزنته بمعنى أحدثت له حزنا وأحزنته بمعنى عرضته للحزن وقال الخليل : خزنته بمعنى جعلت فيه حزنا كدهنته بمعنى جعلت فيه دهنا وأحزنته بمعنى جعلته حزينا .
وقريء يسرعون بغير ألف من أسرع ويسارعون بالإمالة والتفخيم .
يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة إستئناف لبيان الموجب لمسارعتهم كأنه قيل : لم يسارعون في الكفر مع أنهم لا ينتفعون به فأجيب بأنه تعالى يريد أن لا يجعل لهم نصيبا ما من الثواب في الآخرة فهو يريد ذلك منهم فكيف لا يسارعون وفيه دليل على أن الكفر بإرادة الله تعالى وإن عاقب فاعله وذمه لأن ذلك لسوء إستعداده المقتضى إفاضة ذلك عليه وذكر بعض المحققين أن في ذكر الإرادة إيذانا بكمال خلوص الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم حيث تعلقت بهما إرادة أرحم الراحمين وزعم بعضهم أنه مبني على مذهب الإعتزال وليس كذلك كما لا يخفى لأنه لم يقل لم يرد كفرهم ولا رمز إليه وصيغة المضارع للدلالة على دوام الإرادة وإستمرارها ويرجع إلى دوام وإستمرار منشأ هذا المراد وهو الكفر ففيه إشارة إلى بقائهم على الكفر حتى يهلكوا فيه ولهم مع هذا الحرمان من الثواب بالكلية عذاب عظيم 671 لا يقدر قدره نقل عن بعضهم أنه لما دلت المسارعة في الشيء على عظم شأنه وجلالة قدره عند المسارع وصف عذابه بالعظم رعاية للمناسبة وتنبيها على حقارة ما سارعوا فيه وخساسته في نفسه وقيل : إنه لما دل قوله تعالى : إنهم لن يضروا الله شيئا على عظم قدر من قصدوا إضراره وصف العذاب بالعظم إيذانا بأن قصد إضرار العظيم أمر عظيم يترتب عليه العذاب العظيم والجملة إما حال من الضمير في لهم أي يريد الله تعالى حرمانهم من الثواب معدا لهم عذاب عظيم وإما مبتدأة لحظهم من العذاب إثر بيان أن لا شيء لهم من الثواب .
وزعم بعضهم أن هاتين الجملتين في موضع التعليل للنهي السابق وأن المعنى ولا يحزنك أنهم يسارعون في إعلاء الكفر وهدم الإسلام لا خوفا على الإسلام ولا ترحما عليهم أما الأول فلأنهم لن يضروا الله شيئا فلا يقدرون على هدم دينه الذي يريد إعلاءه وحينئذ لا حاجة إلى إرادة أولياء الله وأما الثاني فلأنه يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم .
وأستأنس له بأنه كثيرا ما وقع نهي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن إيقاعه نفسه الكريمة في المشقة لهدايتهم