وحاصل المعنى على هذا أن أرواح الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في مرضاة الله تعالى أو قتلهم الشوق إليه عز شأنه تتمثل صورا حسنة ناعمة طرية يستحسنها من رآها تطير بجناحي القبول والرضا في أنواع التجليات الألهية وتكتسب بذلك أنواعا من اللذائذ المعنوية التي لا يقدر قدرها ويتجدد لها في مقدار كل ليلة مقام جليل لا ينال إلا بمثل أعمالهم وذلك هو النعيم المقيم والفوز العظيم وكأن من أول هذا الخبر وأمثاله قصد سد باب التناسخ ولعله بالمعنى الذي يقول به أهل الضلال غير لازم كما أشرنا إليه في آية البقرة فرحين بما آتاهم الله من فضله من الكرامة والنعمة والزلفى عنده ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وهم الغزاة الذين لم يقتلوا بعد أو السالكون المجاهدون أنفسهم الذين لم يبلغوا درجتهم إلى ذلك الوقت أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لفوزهم بالمأمن الأعظم والحبيب الأكرم يستبشرون بنعمة من الله عظيمة وهي جنة الصفات وفضل أي زيادة عليها وهي جنة الذات و مع ذلك إن الله لا يضيع أجر إيمان المؤمنين الذي هو جنة الأفعال وثواب الأعمال الذين أستجابوا لله والرسول بالفناء بالوحدة الذاتية والقيام بحق الإستقامة من بعدما أصابهم القرح أي كسر النفس للذين أحسنوا منهم وهم الثابتون في مقام المشاهدة وأتقوا النظر إلى نفوسهم لهم أجر عظيم وراء أجر الإيمان الذين قال لهم الناس المنكرون قبل الوصول إلى المشاهدة إن الناس قد جمعوا لكم وتحشدوا للإنكار عليكم فأخشوهم وأتركوا ما أنتم عليه فزادهم ذلك القول إيمانا أي يقينا وتوحيدا بنفي الغير وعدم المبالاة به وتوصلوا بنفي ما سوى الله تعالى إلى إثباته وقالوا حسبنا الله فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالإستقامة و قالوا نعم الوكيل فأنقلبوا بنعمة من الله وفضل أي رجعوا بالوجود الحقاني في جنة الصفات والذات لم يمسسهم سوء لم يؤذهم أحد إذ لا أحد إلا الأحد وأتبعوا رضوان الله في حال سلوكهم حتى فازوا بجنة الذات المشار إليها بقوله تعالى : والله ذو فضل عظيم كما أشرنا إليه إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه المحجوبين بأنفسهمفلا تخافواالمنكرين وخافون إذ ليس في الوجود سوأى إن كنتم مؤمنين أي موحدين توحيدا حقيقيا والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتوجيهه إليه تشريفا له بالتسلية مع الإيذان بأنه الرئيس المعتني بشئونه .
والمراد من الموصول إما المنافقون المتخلفونوإليه ذهب مجاهد وإبن إسحاقوإما قوم من العرب أرتدوا عن الإسلام لمقاربة عبدة الأوثانوإليه ذهب أبو علي الجبائيوإما سائر الكفاروإليه ذهب الحسن وإما المنافقون وطائفة من اليهود حسبما عين في قوله تعالى : ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا وإليه ذهب بعضهمومعنى يسارعون في الكفر يقعون فيه سريعا لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه ولتضمن المسارعة معنى الوقوع تعدت بفي دون إلى الشائع تعديتها بها كما في سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة وغيره وأوثر ذلك قيل : للإشعار بإستقرارهم في الكفر ودوام ملابستهم له في مبدأ المسارعة ومنتهاها كما في قوله سبحانه : يسارعون في الخيرات في حق المؤمنين وأما إيثار كلمة إلى في آيتها فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة وغايتها والموصول فاعل يحزنك وليست الصلة علة لعدم الحزن كما هو المعهود في مثله لأن الحزن من الوقوع في الكفر هو الأمر اللائق لأنه قبيح عند الله تعالى يجب أن يحزن من مشاهدته فلا يصح النهي عن الحزن من ذلك بل العلة هنا