الله تعالى كمن باء بسخط من الله وهو الغال المحتجب بصفات نفسه ومأواه جهنم وهي أسفل حضيض النفس المظلمة هم درجات عند الله أي كل من أهل الرضا والسخط متفاوتون في المراتب حسب الإستعدادات لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم إذ هو صلى الله تعالى عليه وسلم مرآة الحق يتجلى منه على المؤمنين ولو تجلى لهم صرفا لأحترقوا بأول سطوات عظمته ومعنى كونه E من أنفسهم كونه في لباس البشر ظاهرا بالصورة التي هم عليها وحمل المؤمنين على العارفين والرسول على الروح الإنساني المنور بنور الأسماء والصفات المبعوث لإصلاح القوى غير بعيد في مقام الإشارة أو لما أصابتكم مصيبة في أثناء السير في الله تعالى وهي مصيبة الفترة بالنسبة إليكم قد أصبتم قوى النفس مثليها مرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الأفعال ومرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الصفات قلتم أنى أصابنا هذا ونحن في بيداء السير في الله تعالى عزوجل قل هو من عند أنفسكم لأنه بقى فيها بقية ما من صفاتها ولا ينافي قوله سبحانه : قل كل من عند الله لأن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق جل شأنه والسبب القابلي أنفسهم ولا يفيض من الفاعل إلا ما يليق بالإستعداد ويقتضيه فبإعتبار الفاعل يكون من عند الله وبإعتبار القابل يكون من عند أنفسهم وربما يقال ما يكون من أنفسهم أيضا يكون من الله تعالى نظرا إلى التوحيد إذ لا غير ثمة ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله سواء قتلوا بالجهاد الأصغر وبذل الأنفس طلبا لرضا الله تعالى أو بالجهاد الأكبر وكسر النفس وقمع الهوى بالرياضة أمواتا بل أحياء عند ربهم بالحياة الحقيقية مقربين في حضرة القدس يرزقون من الإرزاق المعنوية وهي المعارف والحقائق وقد ورد في بعض الأخبار أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ونقل ذلك بهذا اللفظ بعض الصوفية وجعل الطير الخضر إشارة إلى الأجرام السماوية والقناديل من ذهب إشارة إلى الكواكب وأنهار الجنة منابع العلوم ومشارعها وثمارها الأحوال والمعارف .
والمعنى أن أرواح الشهداء تتعلق بالنيرات من الأجرام السماوية بنزاهتها وترد مشارع العلوم وتكتسب هناك المعارف والأحوال ولا يخفى أن هذا مما لا ينبغي إعتقاده كما أشرنا إليه فيما سبق فإن كان ولا بد من التأويل فليجعل الطير إشارة إلى الصور التي تظهر بها الأرواح بناءا على أنها جواهر مجردة وأطلق أسم الطير عليها إشارة إلى خفتها ووصولها بسرعة حيث أذن لها .
ونظير ذلك في الجملة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث : الأطفال هم دعاميص الحنة والدعاميص جمع دعموص وهي دويبة تكون في مستنقع الماء كثيرة الحركة لا تكاد تستقر ومن المعلوم أن الأطفال ليسوا تلك الدويبة في الجنة لكنه أراد الإخبار بأنهم سياحون في الجنة فعبر بذلك على سبيل التشبيه البليغ ووصف الطير بالخضر إشارة إلى حسنها وطراوتها ومنه خبر إن الدنيا حلوة خضرة وقول عمر رضي الله تعالى عنه : إن الغزو حلو خضر ومن أمثالهم النفس خضراء وقد يريدون بذلك أنها تميل لكل شيء وتشتهيه وأمر الظرفية في الخبر سهل وباقي ما فيه إما على ظاهره وإما مؤل وعلى الثاني يراد من الجنة الجنة المنوية وهي جنة الذات والصفات ومن أنهارها ما يحصل من التجليات ومن ثمارها ما يعقب تلك التجليات من الآثار ومن القناديل المعلقة في ظل العرش مقامات لا تكتنه معلقة في ظل عرش الوجود المطلق المحيط وكونها من ذهب إشارة إلى عظمتها وأنها لا تنال إلا بشق الأنفس