وليعلم الذين نافقوا كعبدالله بن أبي وأصحابه وهذا عطف على ما قبله من مثله وإعادة الفعل إما للإعتناء بهذه العلة أو لتشريف المؤمنين وتنزيههم عن الإنتظام في قرن المنافقين وللإيذان باختلاف حال العلم بحسب التعلق بالفريقين فإنه متعلق بالمؤمنين على نهج تعلقه السابق وبالمنافقين على نهج جديد وهو السر كما قاله شيخ الإسلام في إيراد الأولين بصيغة اسم الفاعل المنبئة عن الإستمرار والآخرين بموصول صلته فعل دال على الحدوث وقيل لهم عطف على نافقوا مؤذن بأن ذلك كان نفاقا خاصا أظهروه في ذلك المقام .
وقيل ابتداء كلام معطوف على مجموع ما قبله عطف قصة على قصة ووجهه أنه جل شأنه لما ذكر أحوال المؤمنين وما جرى لهم وعليهم فيما تقدم من الآيات وبين أن الدائرة إنما كانت للإبتلاء وليتميز المؤمنون عن المنافقين وليعلم كل واحد من الفريقين أن ما قدره الله تعالى من إصابة المؤمنين كائن لا محالة أورد قصة من قصصهم مناسبة لهذا المقام مستطردة وجيء بالواو لأنها ملائمة لأصل الكلام والنفاق على هذا مطلق متعارف وجوز أن يكون كلاما مبتدأ على سبيل الإعتراض للتنبيه على كيفية ظهور نفاقهم أو عدم ثباتهم على الإيمان .
وعلى كل تقدير القائل إما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإليه ذهب الأصم وإما عبدالله بن عمرو بن حرام من بني سلمة وإليه ذهب الأكثر ومقول القول قوله تعالى تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قال السدي وابن جريج أو ادفعوا عنا العدو بتكثير السواد وهو المروي عن ابن عباس وقيل إنهم خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو لدفع الكفار عن أنفسهم وأموالهم أو بين الأول وبين دفع المؤمنين عن ذلك كأنه قيل قاتلوا الله تعالى أو للنفاق الدافع عن أنفسكم وأموالكم وترك العاطف الفاء أو الواو بين تعالوا و قاتلوا لما أن المقصود بهما واحد وهو الثاني وذكر الأول توطئة له وترغيبا فيه لما فيه من الدلالة على التظاهر والتعاون وقيل ترك العاطف للإشارة إلى أن كل واحد من الجملتين مقصود بنفسه وقيل الأمر الثاني حال ولا يخفى بعده قالوا استئناف بياني كأنه قيل فما صنعوا حين قيل لهم ذلك فقيل قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي لو كنا نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن شهاب وقيل أرادوا إنا لا نحسن القتال ولا نقدر عليه لأن العلم بالفعل الإختياري من لوازم القدرة عليه فعبر بنفيه عن نفيها ويحتمل أنهم جعلوا نفي علم القتال كناية عن أن ما هم فيه ليس قتالا بناء على نفي العلم بنفي المعلوم لأن القتال يستدعي التكافؤ من الجانبين مع رجاء مدافعة أو مغالبة ومتى لم يتحقق ذلك كان إلقاء الأنفس إلى التهلكة ومن الناس من جوز أن يكون المراد لو نعلم قتالا في سبيل الله لأتبعانكم أو لو نعلم قتالا معنا لاتبعناكم لكن ليس للمخالف معنا مضادة ولا قصد له إلا معكم ولا يخفى أن هذا الكلام على جميع تقاديره يصلح وقوعه جوابا لما قيل لهم على جميع تقاديره ما عدا الأول وعلى الأول يصلح هذا جوابا له على جميع تقاديره ما عدا الثاني إذ عدم المعرفة بالقتال لا يكون عذرا في عدم تكثير السواد إلا على بعد ومن كلامهم .
إن لم تقاتل يا جبان فشجع .
والمراد بالإتباع إما الذهاب للقتال ولم يعبروا به لأن ألسنتهم لكمال تثبط قلوبهم عنه لا تساعدهم على الإفصاح به وأما الذهاب مع المؤمنين مطلقا سواء كان للقتال أو للدفع وتكثير السواد وحمله على امتثال الأمر أي لو كنا نعلم قتالا لامتثلنا أمركم لا يخلو عن بعد