ثم توفى كل نفس ما كسبت أي تعطى كل نفس مكلفة جزاء ما عملت من خير أو شر تاما وافيا ففي الكلام مضاف محذوف أو أنه أقيم المكسوب مقام جزائه وفي تعليق التوفية بكل مكسوب مع أن المقصود بيان حال الغال عند إتيانه بما غل يوم القيامة من الدلالة على فخامة شأن اليوم والمبالغة في بيان فظاعة حال الغال مالا يخفى فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله لا ينقص منه شيء وإن كان جرمه في غاية القلة والحقارة فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى وهذا سبب العدول عما يقتضيه الظاهر من نحو ثم يوفى ما كسب لأنه اللائق بما قبله وقيل : يحتمل أن يكون المرادا ثم توفى منه كل نفس لها حق في تلك الغنيمة ما كسبت من نقصان حقها من غله فحينئذ يكون النظم على مقتضى الظاهر وكلمة ثم للتفاوت بين حمله ما غل وبين جزائه أو للتراخي الزماني أي بعد حمله ما غله بمدة مديدة وجعله منتظرا فيما بين الناس مفتضحا حاملا ما غله توفى منه كل نفس ولا يخفى أن مثل هذا الإحتمال مما يصان نه كلام الملك المتعال فالحق الذي لا ينبغي العدول عنه هو القول الأول المتضمن لنكتة العدول وأمر ثم عليه ظاهر سواء جعلت للتراخي الزماني أو التراخي الرتبي .
أما الأول فلأن الإتيان بما غل عند قيامه من القبر على ما هو الظاهر والجزاء بعد ذلك بكثير .
وأما الثاني فلأن جزاء الغال وعقوبته أشد فظاعة من حمل ما غله والفضحية به بل لا يبعد أن يكون ذلك الحمل كالعلاوة على الحمل بل يكاد أن يكون نعيما بالنسبة إلى ما يلقى بعد والجملة على كل تقدير معطوفة على الجملة الشرطية وهم أي كل الناس المدلول عليهم بكل نفس لا يظنون أي لا ينقص بمقتضى الحكمة والعدل ثواب مطيعهم ولا يزاد عقاب عاصيهم أفمن أتبع رضوان الله أي سعى في تحصيله وأنتحى نحوه كمن بآء اي رجع بسخط أي غضب عظيم جدا وهو بفتحتين مصدر قياسي ويقال : بضم فسكون وهو غير مقيس والجار متعلق بالفعل قبله وجوز أن يكون حالا فيتعلق بمحذوف أي رجع مصاحبا لسخط .
من الله أي كائن منه تعالى .
وفي المراد من الآية أقوال : أحدها أن المعنى أفمن أتبع رضوان الله تعالى في العمل بالطاعة كمن باء بسخط منه سبحانه في العمل بالمعصيةوهو المروى عن إبن إسحاقثانيها أن معناه أفمن أتبع رضوان الله في ترك الغلول كالنبي ومن يسير بسيرته كمن باء بسخط من الله تعالى بفعل الغلول وروى ذلك عن الحسن والضحاك وأختاره الطبري لأنه أوفق بالمقام ثالثها أن المراد أفمن أتبع رضوان الله تعالى بالجهاد في سبيله كمن باء بسخط منه جل جلاله في الفرار عنه ونقل ذلك عن الجبائي والزجاج وقيل : وهو المطابق لما حكى في سبب النزول أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما أمر بالخروج إلى أحد قعد عنه جماعة من المنافقين وأتبعه المؤمنون فأنزل الله تعالى هذه الآيةوفيه بعدوإظهار الأسم الجليل في موضع الإضمار لما مر غير مرة ومأواه جهنم أي مصيره ذلك وفي الجملة إحتمالان الأول أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان حال من باء بسخط ويفهم من مقابله أن من أتبع الرضوان كان مأواه الجنة ولم يذكر ذلك ليكون أبلغ في الزجر وقيل : لم يذكر مع الرضوان الجنة لأن رضوان الله تعالى أكبر وهو مستلزم لكل نعيم وكون السخط مستلزما لكل عقاب فيقتضي أن تذكر معه جهنم في حيز المنع لسبق الجمال الجلال فأفهم والثاني أنها داخلة في حيز الموصول