هذه الروايةولا أظن الخبر إلا موضوعا ويزيده بعدا بل لا يكاد يجوزه قوله تعالى : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وهو جملة شرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب وماموصولة والعائد محذوف أي بالذي غله وجوز أن تكون حالا ويكون التقدير في حال علم الغال بعقوبة الغلول وظاهر الآثار يدل على أن الإتيان على ظاهره فقد أخرج الشيخان والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال : ألا لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يارسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله تعالى شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول : يارسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يارسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك والأخبار بهذا المعنى كثيرة ولعل السر في ذلك أن يفضح به على رؤس الأشهاد زيادة في عقوبته وإلى هذا ذهب الجبائي ولا مانع من ذلك عقلا .
والإستبعاد غير مفيد وقد وقع ما يشعر بالإستبعاد قديما فقد أخرج إبن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رجلا قال له : أرأيت قول الله تعالى : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يلإتي بها أرأيت من يغل مائة بغير أو مائتي بعير كيف يصنع بها ! قال : أرأيت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ورقان وساقه مثل بيضاء ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة ألا يحمل مثل هذا وورد في بعض الأخبار أن الإتيان بالغلول من النار فحينئذ يكون في الآية حذف أي يأت بما غل من النار فقد أخرج إبن مردويه والبيهقي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الحجر ليزن سبع خلفات فيلقي في جهنم فيهوى فيها سبعين خريفا ويؤتى بالغلو فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله عزوجل : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .
وأخرج إبن أبي حاتم عن إبن عمر رضي الله تعالى عنه قال لو كنت مستحلا من الغلول القليل لأستحللت منه الكثير ما من أحد يغل إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم وقيل : الإتيان به مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرا بما عمل عما لزمه من الإثم أي يأت بما أحتمل من وباله وإثمهوأختاره البلخيوقال : يجوز أن يكون ما تضمنته الأخبار جاء على وجه المثل كأن الله تعالى إذ فضح الغال وعاقبه العقوبة الشديدة جرى مجرى أن يكون آتيا به وحاملا له وله صوت ولا يخفى أن جواب أبي هريرة للرجل يأبى هذا التأويل .
وقيل : إن المعاني تظهر في صور جسمانية يوم القيامة كما يؤذن بذلك خبر مجيء الموت في صورة كبش وتلقى القرآن صاحبه في صورة الرجل الشاحب حين ينشق عنه القبر إلى غير ذلك .
وقد ذكر غير واحد أنه لا يبعد ظهور الأعمال من الطاعات والمعاصي بصور تناسبها فحينئذ يمكن أن يقال : إن معصية كل غال تظهر يوم القيامة في صورة غلوله فيأتي بها هناك وعليه تكون الأخبار على ظاهرها من غير حاجة إلى إرتكاب التمثيل وجواب أبي هريرة لا يأباه وإلقاؤه في النار أيضا غير مشكل وأهل الظاهر لعلهم يقولون : إنه يلقى من غير تعذيب وبتقديره لا محذور أيضا فيه لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء وقد ورد في بعض الأخبار أنه تعالى يخلق خلقا حين قول جهنم : هل من مزيد فيضعهم فيها ومع هذا وتسليم صحة الخبر لا بد من القول بإستثناء بعض الغلول عن الإلقاء إذ قد يكون الغلول مصحفا ولا أظن أحدا يتجاسر على القول بإلقائه