خلل الشجر وسميت الخيانة غلولا لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل ومن ذلك الغل للحقد والغليل لحرارة العطش والغلالة للشغار والمراد تنزيه ساحة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أبلغ وجه عما ظن به الرماة يوم أحد فقد حكى الواحدي عن الكلبي ومقاتل أن الرماة حين تركوا المركز يومئذ طلبا للغنيمة قالوا : نخشى أن يقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم ولهذا نزلت الآية أو تنزيهه صلى الله تعالى عليه وسلم عما أتهمه به بعض المنافقين يوم بدر فقد أخرج أبو داؤد : والترمذي وإبن جرير وحسناه عن إبن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال : نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس ولعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أخذها والرواية الأولى أوفق بالمقام وإرتباط الآية بما قبلها عليها أتم لأن القصة أحدية إلا أن فيها إشعارا بأن غنائم بدر لم تقسم وهو مخالف لما سيأتي في الأنفال وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه والرواية الثانية أولى بالقبول عند أرباب هذا الشأن ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في النهي عن الغلو فقد أخرج إبن أبي شيبة في المصنف وإبن جرير مرسلا عن الضحاك قال بعث رسول الله طلائع فغنم النبي غنيمة فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا فلما قدمت الطلائع قالوا قسم النبي ولم يقسم لنا فأنزل الله تعالى الآية فالمعنى ما كان لنبي أن يعطي قوما من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية وعبر سبحانه عن حرمان بعض الغزاة بالغلول فطما عن هذا الفعل بالكلية أو تعظيما لشأنه وجعل بعضهم الكلام على هذا الإحتمال على حد لئن أشركت ليحبطن عملك خوطب به وأريد غيره ممن يفعل مثل هذا بعد انهي عنهولا يخفى بعدهوالصيغة على الإحتمال الأول إخبارا لفظا ومعنى لكنها لا تخلو عن رمز إلى نهي عن إعتقاد ذلك في تلك الحضرة المقدسة وعلى الإحتمال الأخير خبر أجري مجرى الطلب وقد وردت هذه الصيغة نهيا في مواضع من التنزيل كقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وكذا للإمتناع العقلي كقوله تعالى ما كان له أ يتذ ن ولد و ما كان لكم أن تنبتوا شجرها وقرأ نافع وإبن عامر وحمزة والكسائي ويعقوبأن يغلعلى صيغة البناء للمفعول و في توجييها ثلاثة أوجه أحدها أن يكون ماضيه أغللته أي نسبته إلى الغلول كما تقول أكفرته أي نسبته إلى الكفر قال الكميت : وطائفة قد أكفرتني بحبكم وطائفة قالت مسيء ومذنب والمعنى ما صح لنبي أن ينسبه أحد إلى الغلول وثانيها أن يكون من أغللته إذا وجدته غالا كقولهم أحمدته وأبخلته وأجبنته بمعنى وجدته كذلك والمعنى ما صح لنبي أن يوجد غالا وثالثها أنه من غل إلى أن المعنى ما كان لنبي أن يغله غيره أي يخونه ويسرق من غنيمته ولعل تخصيص النبي بذلك وإن كان لا يجوز أن يغل غيره من إمام أو أمير إما لعظم خيانته أو لأنه القائم بأمر الغنائم فإذا حرمت الخيانة عليه وهو صاحب الأمر فحرمتها على غيره أولى كذا قيل وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى توجيه التخصيص بماذكر بعد الإلتفات إلى سبب النزول والنظر إلى ما سيأتي بعد .
ومن الناس من زعم أن الآية نزلت في أداء الوحي قال : كان رسول الله يقرأ القرآن وفيه عيب دينهم ونسب آلهتهم فسألوه أن يطوى ذلك فأنزل الله تعالى الآية ولا يخفى أنه بعيد جداولا أدري كيف سند