به فإن عنوان الألوهية الجامعة لجميع صفات الكلام مستدعي للتوكل عليه سبحانه والأمر به .
إن الله يحب المتوكلين عليه الواثقين به المنقطعين إليه فينصرهم ويرشدهم إلى ما هو خير لهم كما تقتضيه المحبة والجملة تعليل للتوكل عليه سبحانه وقد روعي في الآية حسن الترتيب وذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر أولا بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصة نفسه فإذا أنتهوا إلى هذا المقام أمر أن يستغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى لننزاح عنهم التبعتان فلما صاروا إلى هنا أمر بأن يشاورهم في الأمر إذ صاروا خالصين من التبعتين مصفين منهما ثم أمر بعد ذلك بالتوكل على الله تعالى والإنقطاع إليه لأنه سبحانه السند الأقوم والملجأ الأعظم الذي لا تؤثر الأسباب إلا به ولا تنقضي الحاج إلا عند بابه إن ينصركم الله فلا غالب لكم جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفا للمؤمنين لا يجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي يستحق بها النصرة والتحذير عن معصيته التي يستحق بها الخذلان أي إن يرد نصركم كما أراده يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفي الجنس المنتظم بجميع أفراد الغالب ذاتا وصفة فهو أبلغ من لا يغلبكم أحد لدلالته على نفي الصفة فقط .
ثم المفهوم من ظاهر النظم الكريمكما قال شيخ الإسلاموإن كان نفي مغلوبيتهم من غير تعرض لنفي المساواة أيضا وهو الذي يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهما قطعيا هو نفي المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين فإذا قلت : لا أكرم من فلان ولا أفضل منه فالمفهوم منه حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ولا إختصاص بالنفي الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الإستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى : فمن أظلم ممن أفترى على الله كذبا في مواقع كثيرة من التنزيل وقد أشرنا إلى هذا المبحث فيما تقدم وإن يخذلكم أي وإن يرد خذلانكم ويمنعكم معونته كما فعل يوم أحد .
وقريء يخذلكم من أخذ له إذا جعله مخذولا فمن ذا الذي ينصركم إستفهام إنكاري مفيد لإنتفاء الناصر على نحو إنتفاء الغالب وقيل : وجاء جواب الشرط في الأول صريح النفي ولم يجيء في الثاني كذلك تلطفا بالمؤمنين حيث صرح لهم بعدم الغلبة ولم يصرح بأنه لا ناصر لهم وإن كان الكلام مفيدا له من بعده أي من بعد خذلانه أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه فعلى الأولبعدظرف زمان وهو الأصل فيها وعلى الثاني مستعار للمكان وعلى الله لا على غيره كما يؤذن بذلك تقديم المعمول فليتوكل المؤمنون 061 المراد بهم إما جنس المؤمنين والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا وإما المخاطبون خاصة بطريق الإلتفات وعلى التقديرين لا يخفى ما في ذلك من تشريف المخاطبين مع الإيماء إلى تعليل تحتم التوكل عليه تعالى والفاء كما قالوا : لترتيب ما بعدها أو الأمر به على ما مر من غلبة المؤمنين ومغلوبيتهم على تقدير نصر الله تعالى لهم وخذلانه إياهم فإن العلم بذلك مما يستدعي قصر التوكل عليه سبحانه لا محالة .
وما كان لنبي أن يغل أي ما صح ولا إستقام لنبي من الأنبياء أن يخون في المغنم لأن الخيانة تنافي النبوة وأصل الغل الأخذ بخفية ولذا أستعمل في السرقة ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم قبل القسمة وتسمى غلولا أيضا قيل : وسميت بذلك لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ويقال لها : جامعة أيضا وقال الرماني وغيره أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في