هي الإستظهار بما عندهم وأن يكون النبي معهم ضرب من الإجتهاد فما وافق رأيه عمل به وما خالفه ترك من غير لوم وفيه إرشاد للإجتهاد وجوازه بحضرته وإشعار بمنزلة الصحابة وأنهم كلهم أهل إجتهاد وأن باطنهم مرضى عند الله تعالى إنتهى وفيه نظر إذ لإخفاء على من راجع وجدانه أن في قول الكبير للصغير ماذا ترى في أمر كذا وماذا عندك فيه تطييبا لنفسه وتنشيطا لها لإكتساب الآراء وإعمال الفكر لا سيما إذا صادف رأيه رأي الكبير أحيانا وإن لم يكن العمل برأيه الموافق بل العمل بالرأي الموافق وما أدعاه من أن الرأي إذا لم يكن معمولا به كان فيه إيحاش غير مسلم لا سيما فيما نحن فيه لعلم الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعلو شأن رسول الله وأن عقولهم بالنسبة إلى عقله الشريف كالسها بالنسبة إلى شمس الضحى على أن من قال : إن فائدة المشاورة تطييب النفس أشار إلى أن الوحي يأتيه فهو غني عنها وحينئذ يكون قصد التطييب أتم وأظهر لما في المشاورة إذ ذاك من تعريضهم لما يمكن أن يوافق الوحي والإيحاش بعدم العمل هنا أبعد لأن مستنده إتباع الوحي ومعلوم لديهم أنه أولى بالإتباع لأنه من قبل الله تعالى اللطيف الخبير كما لا يخفى ثم ما ذكر من أن في ذلك إشعارا بأن الصحابة كلهم أهل إجتهاد في حيز المنع لأن أمر السلطان مثلا لعامله أن يشاور أهل بلده في أموره لا يستدعي أن يشاور كل واحد واحد منهم في ذلك بل لا يكاد أن يكون ذلك مرادا أصلا بل المراد أن يشاور أهل الأراء منهم والمتدربين فيهم وكون الصحابة كلهم كذلك أول المدعي ودون إثباته وقعة الجمل وحرب صفين .
ويؤيد كون المراد من الصحابةالمأمور صلى الله تعالى عليه وسلم بمشاورتهم أهل الرأي والتدبير لا مطلقا بما أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن إبن عباس أنه قال في وشاروهم في الأمر : ابو بكر وعمر ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن الحبر أن الآية نزلت فيهما نعم لو كانت المشاورة لمجرد تطييب النفوس دون الإستظهار كان لمشاورة أي واحد منهم وإن لم يكن من أرباب الرأي وجه لكن الجصاص لم يبن كلامه على ذلك .
بقى أن بين ما أخرجه الإمام أحمد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للعمرين رضي الله تعالى عنهما : لو أجتمعتما على مشورة ما خالفتكما وما أخرجه إبن عدي والبيهقي من قوله E عند نزول الآية أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي تنافيا إلا أن يحمل خبر عدم مخالفتهما لو أجتمعا على الإشارة إلى رفعة قدرهما وعلو شأنهما وأن إجتماعهما على أمر لا يكون إلا موافقا لما عند الله تعالى وهو الذي عليه المعول وبه العمل وكأن في قوله : ما خالفتكما دون لعملت بقولكما مثلا نوع إشعار بما قلنا فتدبر وقرأ إبن عباس كما أخرج البخاري في الأدب المفرد عنه وشاورهم في بعض الأمر فإذا عزمت أي إذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه بعد المشاورة كما تؤذن به الفاء .
فتوكل على الله أي فأعتمد عليه وثق به وفوض أمرك إليه فإنه الأعلم بما هو الأصلح وأصل التوكل إظهار العجز والإعتماد على الغير والإكتفاء به في فعل ما يحتاج إليه وهو عندنا على الله سبحانه لا ينافي مراعاة الأسباب بل يكون بمراعاتها مع تفويض الأمر إليه تعالى شأنه و أعقلها وتوكل يرشد إلى ذلك وعند ساداتنا الصوفية هو إهمال التدبير بالكلية وعن خالد بن زيد أنه قرأ فإذا عزمت بصيغة المتكلم والمعنى فإذا قطعت لك بشيء وعينته لك فتوكل على ولا تشاور به أحدا والإلتفات لتربية المهابة وتعليل التوكل والأمر